بَين فَترةٍ وأُختها؛ أُحبُّ أَنْ أَتصفَّح طقُوس كِبَار الكُتَّاب أثنَاء الكِتَابَة، حَتَّى أَتبيَّن مِقدَار الاستعدَاد والتَّحضير؛ لزَائِرَة تُسمَّى «الكِتَابَة»..!
ولَعلِّي هُنَا أَستَشهد؛ ببَعض الذين كَتب عَنهم أُستَاذنا الكَبير «أنيس منصور»، وَاصِفاً حَالَاتهم الشّعوريّة وطقُوسهم الجَسديّة؛ أثنَاء مُمَارسة جَريمة الكِتَابَة، حَيثُ يَقول أَديبنا «أنيس منصور»: (كَان الكَاتِب الفرنسي «ستاندال» يَقول: إنَّه لَا يَستَطيع أَنْ يَكتب؛ قَبل أَنْ يَقرأ صَفحتين مِن الدّستور الفَرنسي. والأَديب «همنجواي» الذي أُصيب في كتفهِ، وفي عَموده الفَقري، عَلى إثر سقُوط إحدَى الطَّائِرَات، كَان يَكتب وَاقِفاً؛ بالقَلَم الرّصَاص، ويَجب أَنْ يَبري عِشرين مِنه؛ قَبل أَنْ يَكتب عِبَارة وَاحِدَة. والشَّاعر الألمَاني «جوته»، كَان يَكتب وَاقِفاً، وقَد رَأيتُ بَيتهِ، وكَيف كَان يَفعل ذَلك، وهو يَشكو مِن «مُصرَانهِ» الغَليظ. وكَان الكَاتِب الفِرنسي «بلزاك»؛ يَحتاج إلَى عِشرين أَو ثَلاثين فِنجَاناً مِن القهوَة، مَع الكُونيَاك، أَو مَع الشَّمبَانيا، قَبل أَنْ يَكتب. أمَّا الكَاتب الأُفقي -أَي الذي يَكتب مُنبَطِحاً عَلى وَجهه- فهو الأَديب «ترومان كابوتي»، وكَذلك الأَديب الإنجليزي «والتر سكوت»؛ كَان يَفعل مِثله. وكَان «توفيق الحكيم» حِين يَكتب؛ يَضع مَنضدة بالقُرب مِن البَاب الخَارجي للبَيت الذي يَسكنه. وكَان أُستَاذنا «العقّاد» يَكتب إلَى جَانب المَكتب، فالمَكتب صَغير، وهو لَا يَستطيع أَنْ يَدخل تَحته. أمَّا الكَاتِب الفِرنسي «ديماس» الأَب، فقَد نَصَحَه الطَّبيب أَنْ يَكتب بالقُرب مِن قوس النّصر، بَعد أَنْ يَأكل تُفَّاحَة)..!
أمَّا أَغرَب الحَالَات أثنَاء اللِّقَاء بعَاصِفة الكِتَابة، فهو مَا كَان يَفعله الأَديب الإنجليزي «دزرائيلي»، حَيثُ كَان يَكتب بمَلَابسهِ كَامِلَة، وأغرَب مِنه الكَاتب الأَمريكي «هيرمان ميلر»، الذي كَان يَكتب عَارياً تَمَاماً..!
حَسناً.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أَنْ أَكْشِف سِرًّا لَم أَكْشِفه مِن قَبل، وأَعنِي بِهِ أَنَّ كُلّ الطقُوس الوَاردة أعلَاه؛ أُمَارسها أثنَاء الكِتَابة، وقَد كَتبتُ في كُلِّ الأوضَاع المَذكورة، وغَير المَذكورة.. فهَل أنَا جَمعتُ الجنُون مِن أطرَافهِ في زُجَاجة الحِبر؛ التي أَستعين بِهَا عَلى الكِتَابة؟!.. وللعِلْم فأنَا مَازلتُ أكتُب بالقَلَم، ولَا أكتُب بالنَّقر، إلَّا في أَضيق الحَالَات..!!
طقوس الكتابة لا تخلو من الغرابة
تاريخ النشر: 09 يونيو 2016 14:44 KSA
بَين فَترةٍ وأُختها؛ أُحبُّ أَنْ أَتصفَّح طقُوس كِبَار الكُتَّاب أثنَاء الكِتَابَة، حَتَّى أَتبيَّن مِقدَار الاستعدَاد والتَّحضير؛ لزَائِرَة تُسمَّى «الكِتَابَة»..!
A A