أنْ يتقدَّمَ عضوُ مجلسِ الشورى عطا السبيتي إلى المجلس بتوصيةٍ، تنصُّ على دعوةِ وزارة الشؤون الإسلاميَّة والدعوة والإرشاد بالعملِ على تحديد الفارق الزمنيِّ بين الأذان والإقامة في المساجد القريبة من الأسواق، والمجمَّعات التجاريَّة بخمس دقائق، فذلك لأنَّ هناك مشكلةً قائمةً تُزعج النَّاس وتتعبهم. أنا لا أقولُ سوى إنَّ هناك مشكلةً يجبُ النَّظر إليها بعين العقل، وتدارس حلول لها بالمنطق، وإيجاد مخرجٍ يعود بأقل الأضرار على الجميع.
مسألة إغلاق المحلاَّت التجاريَّة لكلِّ صلاة في المملكة العربيَّة السعوديَّة محسومة، ولا جدال فيها، لكن مسألة تحديد فترات الإغلاق ينبغي إعادة النظر فيها، فليس هناك رأيٌ شرعيٌّ ثابتٌ يُقدِّر المدَّة بين الأذان والإقامة، بل هي تخمينيَّة بحتة، وخاضعة للنسبيَّة، وأكبر دليل على ذلك هو تفاوت تلك الفترات من صلاةٍ إلى صلاةٍ.
قبل أسبوع حكت لي صديقةٌ كيف أنَّها كانت تتسوَّق في متجر ضخم للأثاث، وقبل اقتراب موعد الأذان لصلاة العشاء، طلبت إدارة المتجر من المُتسوِّقين سرعة الخروج، وأخفضت الأضواء؛ تحفيزًا لهم على المغادرة. تسارع المتسوِّقون بعرباتهم المحمَّلة بالقطع الكبيرة التي تمَّ اختيارها، واصطفوا أمام نقاط المحاسبة، وكان عددها 15 لتستوعب عشرات الصفوف. لكنَّ الوقت طال، وظهر أعضاء من الهيئة يطالبون كل كاشير بإغلاق المكائن، والانصراف من مواقعهم.
كان المنظرُ بعد ذلك فظيعًا: أعدادٌ كبيرةٌ من العوائل في انتظار طويل يتجاوز نصف الساعة، نساء كبيرات في السن لم يستطعن الوقوف، فافترشن الأرض، أطفال يتقافزون فوق البضائع التي تفصل بين الطوابير، رجال يتذمَّرون من حبسهم داخل الطابور، ومن طلبات أطفالهم وبكائهم، ومن محاولة السيطرة عليهم. تلك نصف الساعة مرَّت كأنَّها سنةٌ كاملةٌ من الوقوف أمام نقاط الحساب الخالية من موظَّفيها، الذين عادوا بعد أن فُرجت؛ ليُواجهوا تزاحمًا شديدًا، ومللاً من انتظار الأدوار، فالكلُّ كان يريدُ أن يخلص من الوقوف المرهق.
لاحظتُ من حديث صديقتي أنَّ أعضاء الهيئة الموجودين، لم يطلبوا من الرجال الواقفين في الطابور الذهاب إلى الصلاة، هم فقط صرفوا المحاسبين! فهل الفكرةُ هي التحفيز لأداء الصلاة، أم وقف التِّجارة؟ أعتقدُ أنَّ الفكرةَ هي وقف التَّبادل الماليّ بكلِّ أشكاله، وليس التحفيز! والوقت المحدد للإغلاق، إذًا.. لا يؤخذ في الاعتبار المدَّة الكافية للانتهاء من الصلاة، بل المدَّة الكافية للتوقُّف عن البيع والشراء. ولتوضيح ذلك، فإنَّ موظَّفي بعض المحلاَّت الصغيرة المتجاورة، يقومون بفرش الرصيف الأوسع المشترك بينهم، ويقيمون الصلاة جماعةً، والهيئة لا تعترضُ على ذلك. لكنَّهم دائمًا ينتهون من الصلاة في وقتٍ أقل بكثير من صلاة المساجد، ورغم ذلك فهم لا يجرؤون على فتح المحلاَّت، ولا مواصلة العمل إلاَّ بعد انتهاء الفترة الزمنيَّة المحدَّدة، فبدءُ الصلاة محكومٌ بزمنٍ، وكذلك إنهاؤها.
والتوضيح الثاني الذي يؤكِّد الحرص على الإغلاق أكثر من الحرص على التحفيز، هو عدم مطالبة الموظَّفين بالصلاة، فقط بالإغلاق، فأكثرهم لا يذهبون للمسجد، بل يعتبرون المدَّة الإغلاقيَّة فترةَ راحةٍ، فيتسكَّعون حول المحلاَّت للتدخين، أو يلتقون أصدقاءهم ليثرثروا، أو يتجوّلوا في سياراتهم للتنزُّه. ولهذا نجد أن بعضهم يستغل هذه الفسحة من الزمن، ويطيل فترة الإغلاق تهرُّبًا من العمل، وعلى حساب مصلحة صاحب العمل، والمتسوِّق، وأعصابه.
تعالوا إلى كلمة سواء، فالتشكِّي لا يشملُ صلاة الظهر، ولا صلاة العصر، ولا حتَّى صلاة المغرب، فهي ليست أوقات تسوُّقٍ ضاغطة، ولا أوقات انتظارها طويلة، لكن الأزمة دائمًا تقع خلال فترة التوقُّف لصلاة العشاء. أمَا مِن طريقةٍ يتمُّ بها تقليصُ فترةِ الانتظار المبالغ بها، والتوقُّف عن حبس الناس داخل المتاجر، أو دفعهم إلى الممراتِ والشوارعِ لزمنٍ ممتدٍ؟!