شكرًا للملك سلمان على إنصافه المرأة السعوديَّة، بإصداره الأمر السامي بتمكينها من الخدمات دون اشتراط موافقة ولي أمرها، ما لم يكن هناك سند نظامي لهذا الطلب، وفقًا لأحكام الشريعة الإسلاميَّة.
هذا وقد فسَّر البعض عبارة: «ما لم يكن هناك سند نظامي لهذا الطلب وفقًا لأحكام الشريعة الإسلاميَّة» بمقولة: «ما كان له مستند نظامي أو شرعي»، وهناك فرق كبير بين المعنيين، فالمعنى الثاني أبقى الأنظمة والقوانين التي تشترط موافقة ولي الأمر كما هي، بينما النصُّ في الأمر السامي يُطالب بتعديل الأنظمة التي تشترط موافقة ولي الأمر دون سند شرعي لها، فالهدف منه حل الإشكالات فيما يتعلَّق بحقوق المرأة لأنظمة رسميَّة موجودة، وذلك طبقًا للفهم الصحيح لأحكام الشريعة الإسلاميَّة، وفقًا للمادة الثامنة من النظام الأساسي للحكم، التي تنصُّ على: «يقوم الحكم في المملكة العربيَّة السعوديَّة على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلاميَّة».
وعبارة: «بعدم مطالبة المرأة بالحصول على موافقة ولي أمرها، حال تقديم الخدمات لها، ما لم يكن هناك سند نظامي لهذا الطلب وفقًا لأحكام الشريعة الإسلاميَّة». هي الركيزة الأساس للأمر السامي التي يتحقق بها إعادة الأهليَّة الكاملة للمرأة البالغة التي أعطاها إيَّاها الخالق بإسقاط عنها ما فرضه عليها البعض من ولاية الرجل عليها من الميلاد إلى الممات، طبقًا لعادات وتقاليد لا تمتُّ للإسلام بِصِلَةٍ، فالخالق جل شأنه يقول: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)، فبأي حق يأتي المخلوق ويفرض على من لها الولاية على نفسها وعلى غيرها، ولاية الرجل عليها، معارضًا ومخالفًا لما منحه الخالق لها، وقد أكَّد الخالق -جلَّ شأنه- كمال أهليَّة المرأة في مواضع عدة، منها:
مساواتها بالرجل في الجزاء على العمل (مّنْ عمِلَ صالحًا مِنْ ذكرٍ أوْ أُنْثى وهُوُ مُؤْمِنٌ فلُنُحْيِيَنَّه حياةً طيِّبةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بأَحْسَنِ مَا كانوا يَعْمَلُون).
تخصيصها بالبيعة (يَا أيُّها النَّبيُّ إذا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلى.... فَبَايِعْهُنَّ..).
مساواتها للرجل في الشورى، فقد جاءت آيتا الشورى بصيغة العموم (وَشَاوِرْهُم في الأَمْرِ)، (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ).
تحملها مع الرجل أمانة الاستخلاف: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً).
مساواتها للرجل في القصاص، والحدود، والعقوبات: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ).. و(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ).. و(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا).
ومن الإقرار بكمال أهليتها قبول روايتها للسنَّة، ولم توصف راوية للحديث بالكذب، أو النسيان، أو الخلط، أو الوهم، أو التدليس كما وصف به كثير من الرواة، وكذلك إعطاؤها ذمَّة ماليَّة مستقلة، فلها حق البيع، والشراء، والوقف، والرهن، والهبة، والقرض، والإقراض.
كل هذه الآيات وغيرها تُبيِّن كمال أهليَّة المرأة، حتَّى نجد الفقهاء الذين فرض بعضهم الولاية عليها عرَّفوا الولاية بـ: «تدبير الكبير الراشد شؤون القاصر الشخصيَّة والماليَّة»، وعندما تحدَّثوا عن عوارض الأهليَّة لم يجعلوا الأنوثة من تلك العوارض؛ إذ لم تسقط عقوبة عن امرأة لأنوثتها، وبناءً على ما جاء في الأمر السامي، فالأنظمة التي تفرض ولاية الرجل على المرأة ينبغي تعديلها طبقًا لأحكام الشريعة الإسلاميَّة التي أعطت المرأة الأهليَّة الكاملة.
للحديث صلة...