بيّنتُ في الحلقتين السابقتيْن الأسانيد الشرعية من القرآن والسنة عن كمال أهلية المرأة، أمّا الذين انتقصوا أهليتها لشهادة امرأتين برجلٍ واحد، فهذا لا علاقة له بالأهلية، فالقرآن لا يُناقض نفسه، فقد أعطاها الأهلية الكاملة، فكيف ينتقصها في الشهادة؟!.
فهذا الحكم في الإشهاد على عقود المداينة، وليس أمام القضاء تفاديًا للنسيان لعدم ممارستها الأمور المالية، فإن انتفت العلة بممارستها لها، تُقبل شهادة امرأة واحدة مقابل رجل في المداينة، كما قُبِلَت في حد القذف، ويستدل ابن القيم بآية: (وكذلك جعلناكم أُمةً وسطًا لتكونوا شُهَداءَ على النّاسِ..) على أنَّ المرأة كالرجل في الشهادة على بلاغ الشريعة ورواية السنة، فالمرأة كالرجل في رواية الحديث، وإن قُبلت شهادتها على الله ورسوله بقبول روايتها للحديث، ألا تُقبل شهادتها على واحد من النّاس؟.. أمّا عن تعميم (للذكر مثل حظ الأنثيين) في الميراث لانتقاص أهليتها، فهذا لا علاقة له بالأهلية، وهو في أربع حالات فقط، لكونه مسؤولًا عن الإنفاق على الأنثى التي يأخذ ضعفها، ففي حالات تأخذ مثله، أو أكثر منه، وفي أخرى ترث، وهو لا يرث.
أمّا عن تنصيف ديّة المرأة، القرآن لم يقل بذلك، فالخطاب عام شاملًا الذكر والأنثى: (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلى أهله). وفي الحديث "وفي النفس المؤمنة مئة من الإبل"، أمّا جملة "ودية المرأة نصف دية الرجل" يقول عنها ابن حجر: هذه الجملة ليست موجودة في حديث عمرو بن حزم الطويل، وإنّما أخرجها البيهقي!"، أي أضافها (في القرن الرابع الهجري) من عنده.
أمّا عن حديث نقصان عقول ودين النساء، فهذا الحديث ضعيف متنًا وسندًا، لمناقضته القرآن الكريم، الذي ساوى بينها وبين الرجل في التكاليف، وفي الأجر والثواب، وفي القصاص والحدود والتعزيرات والعقوبات، أمّا عن نقصان دينها، فهي لم تمتنع عن الصيام والصلاة فترتي الحيض والنفاس إلّا امتثالًا لأمر الله.. وهذا من كمال دينها.. أمّا عن ضعفه سندًا: ففيه زيد بن أسلم العدوي، كان يرسل، في حفظه شيء، وقال عنه ابن عبدالبر في مقدمة التمهيد، ما يدلُّ على أنّه كان يدلس مما يفقد أحاديثه المعنعنة حجيتها، وبالتالي فأحاديث زيد في الإسناد جديرة بالاستبعاد. ويلاحظ الضعف الواضح في الحفظ فلم يحفظ زيد الزمن "عيد فطر أم أضحى أم كلاهما"؟.
أمّا قوامة الرجل، فليس كل الرجال قوّامون على كل النساء، فهي قاصرة على نطاق الأسرة، وهي لا تنقص أهلية المرأة، لأنّ القوّام هو القائم بخدمة وتلبية احتياجات من هو قوّام عليهم، ومشروطة بشرطي الأهلية للقوامة والإنفاق، وقد تكون المرأة أهل للقوامة، مثل المعيلة لأسرتها، وهناك (28%) من الأسر السعودية تعيلها امرأة.. أمّا عن الذين يستدلون بآية (وليس الذكر كالأنثى) على أفضلية الذكر على الأنثى، فقد عكسوا معناها، فالأنثى هي المشبه بها، والمشبّه به في علم البلاغة أقوى من المشبه.
وتنفيذًا للأمر السامي يجب تعديل الأنظمة والقوانين، التي تشترط على المرأة موافقة ولي أمرها دون سند شرعي، والتي تنتقص أهلية المرأة، وذلك احتكامًا لكتاب الله والسنة الصحيحة، والتزامًا بمواد الاتفاقيات الدولية، التي صادقت عليها المملكة، التي أشار إليها الأمر السامي، ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: مادة (6) "لكلِّ إنسان، في كلِّ مكان، الحقُّ بأن يُعترَف له بالشخصية القانونية". والفقرة (1) من المادة (13): "لكلِّ فرد الحقٌّ في حرِّية التنقُّل.."، والفقرة (1) من المادة (23): "لكل شخص حقُّ العمل، وحرِّية اختيار عمله".