لـماذا تنضبط السلوكيات العامة لـمعظم الأفراد في الـمجتمعات الـمتقدمة ؟ كيف يـحتمُل معظم الأفراد انتظار أدوارهم في طوابيـر طويلةٍ دون مظاهر مللٍ أو كللٍ أو تأفّف ؟ ماهي القيم الحقوقية الاجتماعية التي تتعايش بـموجبها مـجموعات أفرادٍ غيـر متجانسةٍ عرقياً ودينياً وثقافياً ؟.
أسئلة لابد من إجابتها بصراحة في حال كانت مؤسسات الـمجتمع جادة في النهوض بسلوكيّات الذوق العام، والـحدّ من الوحشية السلوكية التي يتميّز بـها الإنسان منذ الأزل، وتتمثّل حديثاً في هيئة عنفٍ اجتماعي وأنانيةٍ مُفرطة وتـجاوزاتٍ عُدوانية مُـفزعة.
في رأيي أن جـملةً واحدة تـختصرُ الإجابة على الأسئلة السابقة وهي: « العدالةُ الاجتماعية « .. فسبب التزام الناس بصفوف خدمة الزبائن - على سبيل المثال- واضحٌ وهو: أنّ جـميعهم ينتظرون !! ومن يـحاول منهم تـجاوز غيـره دون سببٍ وجيه مثل كونه من أصحاب الاحتياجات الـخاصة، فإنه يبدو للعيان شاذاً سلوكياً، متخلّفاً أخلاقياً، تُـلاحقهُ نظرات الامتعاض والاحتقار، ويضع بذلك نفسه في موقف حرِجٍ ينتهي عادة باضطراره للرجوع للصف والانتظار من جديد، حيث لا يقوم في الغالب مُـقدّم الـخدمة بـخدمته سابقاً غيـرَه دون حق.
من الواضح أن كثيـراً من الأفراد في الـمجتمعات الـمتقدِّمة الـمنظَّمة مطمئنون لنيل معظم حقوقهم، شاعرون بآدميتهم، يـحتـرمون الأنظمة والقوانيـن لأن الأنظمة والقوانيـن تـحتـرمُ إنسانيتهم، بل إن بعضهم يُشاركون فى وضعها ومراجعتـِها بإبداء آرائهم وشكواهم عبـر قنواتٍ رسـميةٍ خاصة، لكن من الضروري الانتباه إلى أن الـمُجتمعات الـمتقدمة غيـر مثاليةٍ، ولا خالية من الـمشكلات الأخلاقية، لكنها قطعت أشواطاً طويلةً في ضبط السلوكيات العامة، عبـر مؤسسات تربويةٍ تعليميةٍ وأنظمةٍ رسـميةٍ تسيـّر شؤون مـجموعات البشر.
أقتـرح ضرورة إدخال مادة دراسية تـحاول - مع إجراءات تربوية وتنظيمية أخرى - إنقاذ الـجيل القادم من استحواذ التصرّفات الـهمَجية، بتعليمهم مبادىءِ اللباقةِ واللياقةِ واللطافةِ والأناقةِ، وسلوكيّـات الأدب والتصرّفات الـمُحتـرمة مع أفراد الـمجتمع إناثـِهم وذكورِهم، الـمستمدّة من التعاليم الرفيعة للأدب النبوي، ويـمكن تسميتها: مادة التهذيب والذوق العام، أو الأدب والسلوك الـحميد، أو غير ذلك، كبداية لنشر التصرّفات الـسويّة، لعلّ ذلك يساعد على تبنـّي القدوةَ الـحسنة، والارتقاء تدريـجياً من قاع السلوكيات العامة الذي يقبعُ فيه جـمهور الـمجتمع.