عندما تكون بعيداً عمن تحب، تقترب أكثر، بالشوق، والخوف، ونبضات القلب، تتحول إلى قنوات للتواصل الخافت الخفي، لكنه يحيل قلبك إلى آذان ترهف السمع على البعد، فإذا كان المحبوب الوطن، المكان والمكانة، الهوى والهُوية، الأمن والأمان حضن الآباء والأجداد، واحة الأبناء والأحفاد، تثور في صدرك ثورة القلق، لولا مهدئات الثقة في معالجات قيادتنا وقوات أمننا الحكيمة لاحتواء الأزمات والقضاء على كل عابث بأمننا وأمن كل ذرة تراب أمن وطننا الحبيب.
الإرهابيون الذين اتخذوا من حي عشوائي في العوامية بمدينة القطيف، منطلقاً لعملياتهم الإرهابية ضد جنودنا البواسل الذين يقومون بمهمة ترسيخ الأمن للمواطن والمقيم وضد مواطنين لا ذنب لهم سوى وجودهم بالصدفة لحظة انطلاق الإرهابيين لتنفيذ مهمة دنيئة وإطلاق النار لحصد أكبر عدد من الضحايا حتى لو كان طفلاً بريئاً يحلق بأجنحة الفرح في الطرقات كعصفور صغير، كالطفل « جواد الداغر» ذي الثلاث سنوات، اغتالته يد الغدر الغاشمة وإطلاق النار بشكل عشوائي دون رحمة سوى تنفيذ مخططات من حرضهم ضد أوطانهم من دعمهم بالمال والسلاح.. لابد أن نطرب فرحاً عندما تقوم الدولة بالقضاء على الإرهابيين، رغم تكبد الخسائر المادية والآلية، وربما خسائر في أرواح رجالها البواسل الذين يقدمون أرواحهم فداء للوطن، فيستهدفهم أمثال هؤلاء المجرمين الذين قاوموا رجال الأمن، واستهدفوا جنودنا على مدى سنوات، كل يوم نفقد شهيداً أو أكثر، وأخيراً تم تطهير المدينة الهادئة من الإرهابيين الذين يشكلون بؤرة خوف وقلق لسكان الحي وسكان القطيف والعوامية والمنطقة الشرقية بشكل عام.
في كل المدن نشأت الأحياء العشوائية كنبات شيطاني يلتف على أمننا وأمن شبابنا، نظراً لطبيعة تلك الأحياء « العشوائية» المبنية دون تخطيط لأنها أرض مسروقة من أراضي الدولة، يتم البناء فيها ربما ليلاً، دون الاستعانة بمختصي البناء على الأقل خوفاً من كشف أمرهم قبل إتمام البناء، وينشأ فيها أبناؤهم، ويصبحون خبراء في أزقتها الضيقة والملتوية، ونظراً للظروف الاقتصادية لبعض سكانها ربما ينشأ الأبناء دون تعليم أو تأهيل للالتحاق بعمل يملأ أوقاتهم ويشغلهم عن عبث الشيطان، الذي يتسلل من هذه الثغرات الاجتماعية، فيستثمرهم لتنفيذ مخططاتهم لتدمير الأوطان.
ليس فقط الإرهاب من يتمكن من السكن في العشوائيات بل أيضا المخدرات ومتخلفو الحج والهاربون من كفلائهم، لصعوبة الوصول إليهم من قبل الجهات المختصة، ولأنهم يُؤمِّنون أماكن الهرب والتخفي بين تلك البيوت العشوائية، وحي المسورة في العوامية نموذج لأحياء كثيرة منتشرة في مكة المكرمة وجدة وربما في كل مدينة وقرية، السؤال هو كيف نبتت تلك العشوائيات في الأحياء العريقة كحي العوامية؟
في مكة المكرمة يمكن طبيعة الأرض الجبلية ساهمت في انتشار العشوائيات لكن في حي العوامية، وفي أحياء كثيرة كحي الربوة في جدة، وخلف شارع حراء، رأيت بعيني عندما اتخذ السائق طريقاً خلفياً من شارع الأمير سلطان للوصول إلى الأسواق على الشارع الرئيسي ذات الاتجاه الواحد، فوجئت بالبناء العشوائي والأزقة الضيقة والملتوية، تساءلت عن دور الأمانات، ماهي مهمتها، هل مهمتها فرض الرسوم وتعقيد الإجراءات لمن يتبع الأنظمة، ويمشي (عِدل) كما يقولون: « امشي عدل يحتار عدوك فيك» أم مهمتها منع البناء دون حق أو تصريح قبل أن يرتفع ويصبح سكناً؟!.
للأسف بعض الأجهزة الحكومية ربما تتسبب في نشوء مثل هذه العشوائيات لمن لا يملك القدرة على التعامل مع البيروقراطية، ورسوم المخالفات، والتعنت والتصلب عند الأنظمة والتعليمات لمن لا يعرف لغة الملاغاة التي ضيعت على الوطن مساحات شاسعة من أرضه واستملكت بـ « التشبيك»، وأصبحت قضية التشبيك قضية القضايا المستعصية على الحل حتى الآن، كذلك قضية العشوائيات، لابد أن يكون هناك مسؤول أو مسؤولون عن نمو مثل هذه الأحياء داخل المدن الكبيرة التي تتحول مع الأيام إلى أوكار للإرهابيين والمتخلفين ومروجي المخدرات والمجرمين وربما تنتشر فيها أعمال منافية للآداب طالما هي تحت جنح الظلام والوصول إليها صعب، وهم يستهدفون رجال الأمن في حملاتهم على المتخلفين، وتمكنهم تلك الاحياء من الفرار أو الاختباء الآمن. كما نرجو أن يكون هناك حل لاسترداد المساحات الشاسعة التي تم تشبيكها أي تسويرها!