نستطيع أن نتفهم هذه الضجة الإعلامية والاجتماعية الضخمة التي صاحبت قرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، فمن الطبيعي أن طول انتظاره جعله موضع الاهتمام والمراقبة والمتابعة المحلية والعالمية، وأن صدوره حلّ محل المفاجأة والفرحة والتساؤل. ولكن ما لا يمكن تفهمّه ولا تقبّـله هي تلك الموجة من التهكمات والسخرية من المرأة السعودية، ومن قدراتها، وكأن الفرصة التي أتيحت لها بعد طول الانتظار لا تليق بها ولا تواءم إمكانياتها.
جاءت الرسائل والتعليقات المسيئة على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لتحط من قدرها وكأنها ليست كباقي نساء الأرض. ما معنى أن تظهر سيدة كبيرة في السن من دولة عربية لتنصح المرأة السعودية، وتعلمها أساسيات القيادة بشكل مهين، فتلفت انتباهها إلى وجوب وقوفها إذا كانت إشارة المرور حمراء، وإلى عدم السير بسيارتها إلا إن تغير لونها إلى الأخضر؟ أو شاب سعودي يعلمها رقم الطوارئ لتتصل حين الحاجة؟ هل يظنون أن السعوديات لا يعرفن طريق الشارع وأنهن حبيسات المنازل؟ أم يحسبون أنهن إن ركبن السيارات، فمكانهن في الشنطة الخلفية؟ وهذه تشبه التشكي من إخراج المرأة من بيتها، وكأنها لم تخرج إلا في اليوم الذي ستسوق فيه سيارتها.
كانت كمية النكت والكاريكاتيرات والبوسترات غير محتملة، وقد يضحك المرء أحياناً من باب التفكّه و»الطقطقة» البريئة، ولكنه في كثير من الأحيان يصبح حانقاً ومتبرماً، خصوصاً عندما يصل الأمر إلى الدعاء على النساء بالموت، والرغبة في دفعهن للقيادة حتى تنتهي حياتهن في حوادث مريعة، أو حتى التهديد بقتلهن عمداً إن سقن السيارات. أما التشكيك في أخلاقيات السعوديات فيصل إلى حد القذف، فما دُمن يقُـدن سياراتهن فذلك الفساد بعينه، والاتهامات من مثل ارتكاب المعاصي، وازدياد الفتن، وانتشار الرذيلة، وانفراط العقد، ثم التحذير من السفور والتغريب، كلها تلمّح إلى أن المرأة قاصر، لا تستطيع أن تتحمل مسؤولية حماية نفسها، ولن تستطيع أن تخرج من قالب الافتتان والغواية إن لم تكن في رفقة رجل، أي رجل، حتى وإن كان عاملاً لديها جاء من أقاصي آسيا.
يشكك الكثير في قدرة المرأة على التحكم في مقود السيارة، وكأن قيادة السيارة عمل خارق لا يقدر عليه إلا الرجال، بينما الحقيقة هي أن كثيرا من السعوديات يقدن السيارات، فعلاً، منذ زمن بعيد في جميع البلدان التي يسافرن لها، ومعظم المبتعثات للخارج يمتلكن رخص قيادة وسيارات خاصة بهن، فكونهن نساء لا يجعلهن عاجزات عن القيام بالمهمة على أكمل وجه، فنساء الأرض جميعاً يقدن سيارات. هل كونها سعودية يقلل من قدراتها ويجعلها إنسانة مختلفة: مرتبكة، وضعيفة، وفاشلة، لا تحرك سيارتها حتى تصطدم بأخرى، أو بالرصيف، أو بشجرة، وتعجز تماماً عن صف سيارتها في أي موقف؟ ثم يأتي من يتوقع تسببها في زيادة الحوادث على الطريق، فإن كانت الحوادث سبباً في منع المرأة من القيادة، فلنمنع الأولاد الصغار الذين يقودون السيارات وكأنها ألعاب في الملاهي، فيَقتلون ويُقتلون.
بعد صدور القرار كانت ردة الفعل عجيبة، فالناس يتعاملون مع المرأة السعودية وكأنها ظهرت على وجه الأرض في يومنا هذا، وكأنها كانت مختفية في سرداب وخرجت لترى الشمس لأول مرة. والحقيقة أن سنوات المجتمع السعودي لم تخل من المرأة ولا من ظهورها على الساحة العامة، فقد تعلمت وابتعثت للخارج منذ الستينيات، وعادت لتعمل في وظائف حكومية وخاصة متعددة، وقد امتلكت مالاً وعقاراً، وتزوجت وأنجبت وعاشت حياة طبيعية تماماً، خلال سنوات القرن العشرين، وقد جاء هذا القرار تتويجاً لحرياتٍ كثيرة نالتها من قبل، وتبشيراً بقرارات قادمة تنال بموجبها ما تطمح له وتنتظره.