«لا يمكن أن نبقى ضمن مجموعة العشرين بهذا المستوى من الفساد».. عبارة من كلمات قليلة أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بعدما تولى زمام المسؤولية في بداية 2015، فأحدث حراكاً وآمالاً كبيرةً في مستقبل أفضل بالقضاء على الفساد، الذي يعد ثالث أكبر صناعة في العالم بلغة الأرقام.
وإذا كان 10% من الإنفاق الحكومي يتعرض للاختلاس، كما يقول سمو ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، فإن الحصيلة ولا شك ربما تفوق 100 مليار دولار على مدى الأربعين عاماً الماضية، ويبدو ذلك جليّاً في تخصيص اعتمادات كبيرة لمشروعات لا وجود لها على أرض الواقع، وتأخير إنجاز مئات المشروعات مما يضاعف من فاتورة التكاليف.. ووفقاً للأرقام المتفائلة، فإن هناك أكثر من 1000 مشروع متعثر ومتوقف على أقل تقدير، وبات من النادر أن ينتهي مشروع في موعده المحدد أو متأخراً بعام أو اثنين.
وفي البدء، ينبغى التأكيد على أن موافقة 95% من المشتبه بهم على رد الأموال يعد دليلاً على صحة الاتهام، بعد استغراق فترة طويلة في جمع الأدلة والبراهين، وفي هذا الصدد يقول سمو ولي العهد: «لقد أريناهم جميع الملفات التي بحوزتنا، وبمجرد أن اطلعوا عليها، وافق ما نسبته 95% منهم على التسويات».
وعلى الرغم من ضخامة رقم الـ100 مليار دولار أي نحو 375 مليار ريال، فإن للرقم دلالته المحورية على الصعيد التالي:
إعلان الملك سلمان عن ضرورة مواجهة الفساد يجسد -بما لا يدع مجالاً للشك- حزمَه وحرصَه على رفاهية الوطن، والحفاظ على حقوق المواطن البسيط الذي تضرر كثيراً من الفساد، وكاد أن يفقد الثقة في أي جهود للإصلاح.
تأكيد الأمير محمد بن سلمان رغبة 95% من المحتجزين في إجراء التسويات المالية اللازمة يؤكد على أن حسن الإعداد للقضايا والملفات يؤتي ثماره، وإن استغرق ذلك بعض الوقت، على العكس من ذلك على سبيل المثال في قضية سيول جدة، تم تبرئة الكثير من المتهمين؛ لعدم إعداد الأدلة الثبوتية بشكل جيد.
هناك دلالات للرقم المعلن والممكن رده في القضية والذي يقدر بـ100 مليار دولار، فهذا المبلغ يعادل الدَّيْن العام بالكامل حتى نهاية الربع الثالث، كما يزيد على الإيرادات النفطية التي تحققت في التسعة أشهر الأولى من العام الحالي، والتي بلغت 366 مليار ريال.
في قمة العشرين في عام 2016، جرى تداول أرقام مخيفة عن الفساد في الدول النامية الذي قدرت سنويّاً بنحو تريليون دولار نتيجة التهرب الضريبي والاختلاس وغسيل الأموال.
يؤدي الفساد وفقاً لدراسات منظمة الشفافية إلى خسارة من 15% إلى 25% من الأموال المخصصة للمشروعات.
تؤكد التقارير أن زيادة الشفافية وجهود مكافحة الفساد يمكن أن تؤدي إلى ضخ 13 تريليون دولار إضافية في شرايين الاقتصاد العالمي بحلول 2019.
الرؤية وضرورة الحرب
قامت رؤية المملكة 2030 على مرتكز أساس ألا وهو رفع كفاءة الإنفاق العام، بما يتضمنه ذلك من إطلاق أدوات جديدة لمنع الفساد والتواطؤ في إسناد المشروعات، والتوسع في تطبيق معايير الهندسة القيمية؛ من أجل إعلاء مستويات الجودة في إنجاز المشروعات مع خفض التكاليف. وكان من ثمار هذا التوجه توفير 120 مليار ريال عبر مكتب إدارة المشروعات خلال 16 شهراً فقط، وكان القرار الأهم من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بإلغاء مشروعات تقدر قيمتها بنحو تريليون ريال لضعف جدواها الاقتصادية. وتعمد الدولة حاليّاً كذلك إلى التركيز على المشروعات ذات المردود المرتفع والجاهزة للتنفيذ، وربما تكون الحملة الراهنة على الفساد، بدايةً لبحث أسباب تأخر وتعثر 80% من المشروعات خلال السنوات السبع الأخيرة، ووضع الحلول المناسبة؛ حتى تخرج إلى النور، لا سيما وأنه قد اعتمدت لها مخصصات مالية كبيرة، وبات من حق المواطن أن يستمتع بها.
نتائج المرحلة
وغني عن القول أن توقيت الحملة على الفساد التي يقودها على الأرض صاحب السمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد- مهم للغاية في ظل التحول نحو تنويع القاعدة الإنتاجية، وتقليل الاعتماد على النفط، وتوجه المملكة إلى المزيد من الانفتاح الواسع على الأسواق العالمية؛ مما يستدعي معاييرَ أعلى من الشفافية والكفاءة في الإدارة.
ومن المؤشرات التي تتواكب مع هذه الرؤية:
احتياج المملكة إلى المزيد من الشفافية؛ حتى يمكن استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية للمشاركة في تنفيذ المشروعات الكبرى، مثل نيوم وتطوير جزر البحر الأحمر والمدن الاقتصادية التي تعاني حالة من التعثر منذ سنوات عدة.
ضرورة المضي قُدماً في تعزيز الشفافية في سوق الأسهم البالغ حجمه 1.6 تريليون ريال، في ظل التوجه نحو منعطفين مهمين، هما الإدراج الرسمي في مؤشر مورجان ستانلي العام المقبل، والثاني الانضمام إلى مؤشر فوتسى مارس المقبل، ولا شك أن هيئة سوق المال تعول على هذين العاملين في استقطاب المزيد من الاستثمارات لتعميق السوق، وفي سبيل ذلك تم خلال الساعات الماضية تخفيف القيود عن الاستثمارات الأجنبية فيه، وفي إطار هذا المنحى لا يستبعد البعض فتح ملف كارثة سوق الأسهم في 2006، التي أدت إلى انهيار السوق وخسارة أكثر من تريليوني ريال على الأقل.
الحرب على الفساد حاليّاً رسالة إلى المستثمرين في الخارج، ودليل على تحسن مناخ الاستثمار والحد من الممارسات السلبية التي كانت تؤثر على السوق وترفع كلفة المشروعات، وبالتالي السلع والخدمات على المواطن.
لا بديل أمام المملكة سوى الضرب بيد من حديد على الفساد من القمة إلى القاعدة؛ حتى تنجح المشروعات التطويرية التي تراهن عليها، ولعل البداية تكون بفتح كل الملفات في الوزارات لتوجيه رسالة للجميع، بأن الفاسد ليس في مأمن في أي وقت وأن يد العدالة ستطاله حتماً عند يحين الوقت لذلك.
نجاح الحملة على الفساد من شأنه أن يعزز النمو الاقتصادي الذي تراجع العام الحالي إلى 1% ، وينعش مناخ الاستثمار، ويسهم في عودة الأموال المغادرة إلى الخارج، بعد أن عانينا لسنوات طويلة من الاستثمارات الخارجية الهزيلة في المطاعم ومكاتب الخدمات، على الرغم من القناعة بأن الاستثمار الناجح هو الذي يعزز القيمة الاقتصادية المضافة ويوفر آلافاً من فرص العمل للمواطنين.
وفي النهاية تبقى كلمة؛ أن الحملة على الفساد ينبغي أن تتواصل بحزم وحسم لا يلين؛ من أجل إشاعة أجواء الثقة والتفاؤل في نفوس المواطنين، وتوفير المبالغ المختلسة للتنمية المستدامة التي يحتاجها كل شبر في الوطن.
الحرب على الفساد.. معركة الوطن
100 مليار دولار حجم المبالغ المردودة من الحملة.
1000 مشروع عانت من التأخر والتعثر من سنوات.
120 مليار ريال وفرها مكتب إدارة المشروعات.
10 – 25 % زيادة في كلفة المشروعات في المملكة.
تريليونا ريال خسارة في كارثة سوق الأسهم.
سلمان.. صانع قناديل الأمل والشفافية في معركة الوطن ضد الفساد
تاريخ النشر: 26 نوفمبر 2017 02:27 KSA
الضرب بيد من حديد صمام أمان لثقة المستثمرين ونجاح المشروعات الكبرى
A A