هل تخيلت أن يكون هناك طريق إلى القمر؟!
نعم، هناك طريق يصعد بك خلال رياضة «الهايكنج» أو المشي الجبلي وصولاً إلى قمة جبل شدا الأسفل، وبعبوره تكون قريباً من السماء حيث القمر يتخذ مجلسه فيما الغيمات تتوازى مع الأرض التي تمشي قدماك عليها؛ في منظر يُسحر القلوب. عرفتُ ذلك خلال يومين أقمت فيها لحضور تدشين مبادرة «الطريق إلى القمر» في موسمها الأول بمحافظة «المخواة» في منطقة الباحة، والتي أسعدني المشاركة فيها بدعوة من المحافظة وغرفتها التجارية؛ لاكتشاف الكثير من المعالم التاريخية والجيولوجية والإنسانية بها.
بصدق؛ لم يكن مجرد طريق لممارسة رياضة جبلية نظمتها محافظة المخواة بالشراكة مع المؤسسات الحكومية والخاصة، منها الغرفة التجارية وإدارة التعليم والشرطة والمتطوعون والمتطوعات من الهلال الأحمر السعودي وغيرها بجانب أهالي «المخواة» نساء ورجالاً، مكونين فريق عمل يدعوك إلى الفرح والفخر بما يتملكه من حماس للمبادرة على رأسهم سعادة محافظ محافظة المخواة أ.نايف بن محمد الهزاني، والذي يمتلك رؤية تطويرية للمحافظة يلمسها الأهالي.
وقد شارك في صعود جبل شدا الأسفل عبر خط سير»الطريق إلى القمر» ما يقارب 400 مشارك؛ وبحد قول سعادة اللواء الطيار عبد الله السعدون عضو مجلس الشورى الذي شارك في التجربة وهو ممارس لهذه الرياضة، بأنه أكبر عدد شهده خلال مشاركاته السابقة.
ومن لا يعرف «محافظة المخواة» فهي ليست مجرد مدينة ريفية صغيرة وهادئة، إنما بيئة تحمل أهم خصائص صناعة السياحة العالمية؛ فهل تتخيل أن فيها قرية أثرية يعود عمرها إلى مئات السنين، استوطن فيها الإنسان لما يزيد عن ألفي عام؛ وما تزال محتفظة بتفاصيلها وأساطيرها التي يحكيها الأحفاد حتى اليوم، مما استمتعت به وأنا أتجول في أرجائها؛ وليس هذا فقط ، ففي القرية «عين ماء» لم تتوقف عن الصب منذ مئات السنين سُميت بها القرية «ذي عين» وتعتبر معلماً تاريخياً إنسانياً مهماً، وكل ما أرجوه أن يتم تسجيلها والشجرة المعمرة بجوارها ضمن التراث العالمي «اليونسكو « والقرية أيضاً، وعلى هيئة السياحة والآثار السعي لذلك.
وبجانب ما تتمتع به «المخواة» من تراث إنساني فهي تتمتع ببيئة جيولوجية ثرية نسجتها أيدي الطبيعة منذ آلاف السنين في جبلي شدا الأعلى وشدا الأسفل، حيث الكهوف والتشكيلات الصخرية المميزة ناهيك عن مزارع البن «الشدوي» الذي تتميز به؛ والمعتمد على ماء المطر وله مذاق خاص.
والحقيقة تعتبر السياحة الجبلية ورياضة «المشي الجبلي» جاذبة جداً للكثيرين حول العالم، ومن المهم استثمار ذلك لجذب رجال الأعمال والشركات العالمية للاستثمار في منطقة الباحة ومحافظاتها والرفع من مستوى الخدمات فيها؛ لتكون مورداً من موارد النمو الاقتصادي الوطني
بما يتوافق مع رؤية السعودية 2030 التي يقودها القائد الملهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- وهو ما يسعى إليه أمير منطقة الباحة الأمير الدكتور حسام بن سعود؛ وقد لمست اهتمامه الكبير بأهمية تنشيط السياحة عبر استثمار البيئة الجيولوجية ورياضة المشي الجبلي في المنطقة من حديثه وفقه الله حين تشرفنا بلقائه.
أخيراً، إن المنطقة ومحافظة المخواة لكي تستطيع النجاح في صناعة السياحة فإنها تحتاج إلى عناية تنموية سريعة لرفع مستوى الخدمات فيها من أجل الأهالي ولاستقطاب الشركات العالمية كي تفتتح المطاعم والفنادق خاصة وأنها تتمتع بكل الخصائص والمحفزات السياحية الجاذبة للسائح من أقطار العالم.