بدأت محافظة بدر الجنوب بمنطقة نجران في الاستفادة من الأسلوب الذي اختطَّه أمير المنطقة جلوي بن عبد العزيز بن مساعد، عندما قرر إقامة اجتماع مجلس المنطقة سنوياً في إحدى المحافظات على أن يتم ذلك بالتناوب، وهي الخطوة التي وجدت إشادة واسعة باعتبارها مدخلاً لتحقيق النهضة الشاملة في المحافظة المعنية، التي ستكون محل تركيز المجلس خلال ذلك العام، مع عدم إغفال وإهمال بقية المحافظات.
هذا النهج الحكيم الذي ينبع من تخطيط سليم ورؤية واعية يحقق أول أهداف ومبادئ الحكم غير المركزي، ويضع جميع المحافظات تحت دائرة الاهتمام، ويحقق العدالة في توزيع الثروة وإنجاز المشاريع وتوزيع ميزانيات المناطق بصورة متساوية، وهو من أبرز المبادئ التي نادت بها رؤية المملكة 2030 التي دعت صراحة في كثير من فقراتها إلى الاهتمام بتنمية الأجزاء الأقل تنمية في كافة ربوع الوطن.
خلال الأيام الماضية قام سمو أمير المنطقة بإعلان البدء في دراسة إنشاء شركة سياحية مساهمة لتنمية محافظة بدر الجنوب، بالتنسيق مع الغرفة التجارية الصناعية ورجال وسيدات الأعمال، عقب إعلانه المحافظة واجهة سياحية صيفية للمنطقة، كما دشَّن مبادرة تعزيز الغطاء النباتي التي تهدف لغرس ألف شجرة من الطلح والقرض والسدر وغيرها من الأشجار المعمرة التي تشتهر بها نجران.
لذلك فإن المبادرة التي تأتي ضمن برنامج جودة الحياة، الذي ورد في رؤية 2030 تعنى تماماً بالمحافظة على هذه الثروات الوطنية، لأجيالنا والأجيال القادمة، وتطوير البنى السياحية والترفيهية، وتهيئة البيئة المناسبة للاستثمار وتعدد الفرص، لاسيما وأنها ترتبط بعدد من القطاعات الاقتصادية مثل الزراعة والسياحة.
لم ينبع اهتمام سموه بالمشاريع السياحية في المنطقة من فراغ وإنما كان نتيجة لاهتمامه المتواصل منذ أمد بعيد بهذا القطاع الذي ينتظر أن يحقق نقلة نوعية في مستوى الدخل إذا وجد ما يستحقه من اهتمام ورعاية، عطفاً على ما تمتاز به نجران من مقومات ضخمة وإمكانات مهولة، في مقدمتها الآثار الفريدة التي لا يوجد مثيلها في العالم، مثل موقع الأخدود وآبار حمى التي يعود تاريخها إلى الوراء بآلاف السنوات. يضاف إلى ذلك اكتمال البنية التحتية في جميع أرجاء المنطقة وطبيعة إنسانها المضياف الذي اعتاد الترحيب بالسياح وتقديم العون لهم.
من أبرز ما يمتاز به سمو الأمير جلوي اقترابه من إنسان المنطقة، واستيعابه لواقعها وظروفها، وإدراكه لتطلعات المواطنين وتجاوبه التام مع رغباتهم، وهو ما تجلى في اهتمامه بتنمية القطاع السياحي.
ورغم أن نجران تمتلك إمكانات اقتصادية كبيرة في الكثير من المجالات، مثل المعادن التي توجد بكميات جاذبة للمستثمرين من الناحية الاقتصادية، والأراضي الزراعية الشاسعة وتوفر مياه الري وغير ذلك من المجالات، إلا أن المجال السياحي يبقى أكثر المجالات الواعدة التي يمكن الاستثمار فيها بسهولة وذلك لسرعة العائد المادي ، كما أن الاهتمام الذي منحته الرؤية لقطاع السياحة يجعلها في طليعة المجالات التي يرجى منها تحقيق الإضافة المنشودة.
لكل ما سبق يمكن القول إن محافظة بدر الجنوب خصوصاً ومنطقة نجران بصورة عامة مقبلة على نهضة كبيرة نتيجة للاهتمام بتنمية وترقية القطاع السياحي، فهذا الجانب لم يعد مجرد ترفيه وترويح، وأصبح صناعة قائمة بذاتها، تخصص لها الكليات الجامعية ويُمنح العاملون فيها درجات علمية رفيعة، بل إن هناك ما بات يُعرف بالأمن السياحي وذلك بالنظر إلى ما تتعرض له المجتمعات، خصوصاً فئة الشباب والأطفال من الدول العربية والإسلامية، من عمليات غزو فكري مكثَّف خلال قضائهم الإجازات في الدول الغربية، وهذه العمليات تهدف بالأساس إلى هز الثوابت المجتمعية والدينية التي تعارفوا عليها ونشأوا في كنفها، وهو ما يمكن أن يؤدي بهم في الآخر إلى ما يشبه الاستلاب وضياع الهوية.
ختاماً يمكن القول إن الظروف التي نمر بها بسبب أزمة فيروس كورونا (كوفيد –
19) وما استلزمته من إغلاق المطارات ومنع السفر إلى الخارج، قد طرحت العديد من الدروس التي يجب الاستفادة منها واستيعابها، وفي مقدمتها ضرورة انتعاش السياحة الداخلية، والتفكير الجاد في استقطاب الأعداد الكبيرة من السعوديين الذين اعتادوا السفر سنوياً إلى الخارج لقضاء إجازاتهم السنوية، فما حدث خلال العام الحالي أصاب برامجهم بالاضطراب، ودفعهم إلى قضاء العطلة داخل بلادهم ومحاولة استكشافها والاستمتاع بمناطقها السياحية.
إذا استطاع المستثمرون في القطاع السياحي تقديم صورة ذهنية إيجابية نكون قد أرحنا أنفسنا من العناء ووفرنا لبلادنا عشرات المليارات من الريالات التي يمكن إعادة ضخها في شرايين الاقتصاد الوطني، بما يعود على بلادنا بالخير والازدهار، وما يقوم به سمو الأمير جلوي من مساعٍ لتطوير القطاع السياحي في كافة محافظات نجران يصب تماماً في هذا الاتجاه.