نشرت مجلّة «National Graphic» التي تهتمّ بالحياة الفطرية، مقطع فيديو لأسد غضنفرٍ في إحدى غابات إفريقيا، وهو يُطارد غزالة سمينة ويُسقطها أرضاً، ويغرز أنيابه الحادّة في رقبتها حتّى تفارق الحياة، ثمّ يبدأ في أكلها ليُفاجأ بعد تمزيقه لبطنها أنّها حامل، وأنّ جنينها فارق الحياة مثل أمّه، فماذا فعل الأسد الذي يُفترض أنّه وحْش؟!.
لن تصدّقوا، لقد امتنع عن أكْلِها على الفور، وأصابته نوبة حزن وتأنيب ضمير، وتمدّد على جانبه بجوار الغزالة وجنينها وهو في حالة اكتئاب، وما هي إلّا دقائق حتّ مات مثلهما، فيا له من وحْش نبيل!.
مقابل ذلك، وفي زمن جائحة كورونا الصعيبة، التي يُفترض فيها أن يتعاطف الإنسان مع أخيه الإنسان، وتتجلّى فيها مظاهر التسامح والرحمة، فُجِعَت مدينة الزرقاء الأردنية بجريمة أقلّ ما يُقالُ عنها أنّها جريمة سوداء، حالكة السواد، ولو تمّت بقتْل الضحيّة لكانت أهون، لكنّها تمّت بطريقة أبشع، وتدّل على أنّ بعض بني الإنسان تجرّدوا من إنسانيتهم وانسلخوا منها، كما انسلخ اليهودي بلعام بن باعوراء من آيات الله الصالحات التي أُوتِيت له في عهد النبيّ موسى عليه السلام!.
والجريمة حسب رواية الشرطة الأردنية هي أنّ أشخاصاً اعتدوا على غلام في عمر الـ١٦ عاماً، وكان أباه قد قتل قريباً لهم في السابق وهو في السجن حالياً، ولم يكترثوا هم بألّا تزر وازرةٌ وزر أخرى، وأنّ القصاص من الآباء لا يُورّث للأبناء، فصبّوا جام انتقامهم على الغلام البريء، وضربوه ضرباً مُبرِّحاً، وفقئوا عينيه الاثنتيْن، وبتروا يديه الاثنتيْن من الكوع، وتركوه على قارعة الطريق، يُصارع الألم النفسي والجسدي، لا يُبْصر شيئاً، ودماؤه تنزف ممّا تبقّى من يديه مثل ماء الحنفية، فعُذراً يا وحْش الغابة، هم الوحوش وأنت الإنسان!.
وقد انتفض الأردن إثر هذه الجريمة، وتدخّل الملك عبدالله الثاني شخصياً حتّى تمّ القبض على الأشخاص، وأتمنّى أن ينالوا جزاءهم العادل على جريمتهم النكراء، وليت بعض بني الإنسان يتخلّق بأخلاق الوحوش، وكأيِّن من سلوكيات الوحوش قد فضُلَت على سلوكيات الإنسان، وقلوب بعض المُتأنْسِنين صارت أقسى من الحجر، وقلوب بعض الوحوش صارت أرقّ من السندس والحرير!.
ويا أمان الإنسان من وحشية الإنسان التي تبرّأت منها الوحوش والجان!.