عندما يرحل الكبار
تاريخ النشر: 23 أكتوبر 2011 02:06 KSA
معيار الكِبَر لا يعني مقدار ما عاشه الشخص زمنياً على وجه التحديد ، بقدر ما يتضمن إضافة إلى ذلك الإنجازات التي حققها لذاته ولمجتمعه ولأمته ، وبناءً على ذلك نستطيع أن نُدْخِل هذا الإنسان في قائمة الكِبار أو نستبعده منها ، ويقول له التاريخ : لا وجود لك في سجلاتي ، وبالتالي فلا مكان لك في ذاكرتي ؛ لأنها فقط للكِبار .
يقول التاريخ هذا للإنسان العادي ، ولكن ماذا عساه أن يقول لراحل فاقت مُنجزاته كل مشارف المعروف ، وتجاوزت حدود المألوف ، وأصبحت مثالاً يُحتذى ، ومنهاجاً تتداوله المجالس لأخذه كخارطة طريق في كيفية الحضور في الحياة بمدلولها المؤثر ؟ ماذا يقول التاريخ عن سلطان بن عبد العزيز ـ الإنسان ـ الذي كانت ابتسامته تُثلج الصدور المكتئبة ، ونشاطه الخيري مُترعٌ في الداخل والخارج ، وأياديه البيضاء ممدودة للقريب والبعيد ؟ ماذا سيقول التاريخ عن سلطان بن عبد العزيز ـ المسئول ـ الذي أفنى عمره خدمة لدينه ومليكه ووطنه ؟ وماذا سيُكْتَب عن مناصبه الحكومية التي تسنمها وكان فيها مثالاً للالتزام ، وأداء الواجب على أكمل وجه ؟ وبماذا ستُرثيه الوزارة ـ الدفاع والطيران ـ بعد أن سهر الليالي الطوال في بنائها فنياً وبشرياً ؛ لتكون حصناً منيعاً لكل من تُسوُّل له نفسه المساس بثغر من ثغور الوطن ؟
أسئلة بحجم الوطن تقافزت أمامي وأنا استمع للخبر العاجل الذي أعلنه الديوان الملكي ينعي فيه للأمة رحيل صاحب السمو الملكي الأمير : سلطان بن عبد العزيز إلى الرفيق الأعلى ، لقد كان الخبر مؤلماً بمقدار حضوره الكبير في ذواتنا ، ومؤثراً نظرا للمكانة التي يحتلها في نفوسنا ، ولكن إيماننا بالقضاء والقدر هو بلسمنا الذي نلجأ إليه في مثل هذه المواقف ؛ ليُخفف عنا وطء الفاجعة ، وفداحة الفقد ، وعِظم المُصاب .
رحل الكبير سلطان بن عبد العزيز وترك لنا سيرة مدادها الوفاء ، وصفحاتها التضحية ، وغلافها مسيرة قائد ، تكون لنا مرجعاً في الحاضر ومصدراً للأجيال القادمة ؛ نعم غادرتنا يا وجه الخير مأسوفاً عليك ، ولكن سيظل حُبنا لك منقوشاً على سواعدنا ، ويجري منا مجرى الدم في عروقنا ، سيتواصل دعاؤنا لك ما حيينا بالرحمة والغفران ، وأن يكون الفردوس الأعلى منزلتك ، وأن يُثيبك على ما قدمته للدين والوطن والأمة العربية والإسلامية خير الجزاء ، ويجعلها في ميزان حسناتك إنه سميعٌ مُجيب الدعاء ، ونقول لك تأبيناً : إن العين لتدمع ، وإن القلب ليحزن ، وإنا لفراقك يا سلطان لمحزونون .
تعزية
خالص التعازي نرفعها لمقام خادم الحرمين الشريفين ـ يحفظه الله ـ وللأسرة المالكة الكريمة ، وللشعب السعودي النبيل ، ولأمتنا العربية والإسلامية في فقيد الوطن الكبير صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ .