السياحة الداخلية : ومكامن الخلل
تاريخ النشر: 24 يونيو 2012 04:25 KSA
أصبحت السياحة في الوقت الحالي بوابة عبور للكثير من المجتمعات التي توَّد أن تُقدِّم نفسها للعالم من خلال سلوكيات أفرادها وعرض تاريخها ومكامن تراثها وإبراز أوجه التقدم مع محافظتها على هويتها الأصلية دون مسخ ، ناهيكم عن كونها مصدراً للدخل يصب في ميزانية الدولة ويُضيف من ناتجها الوطني ، من هذا المنطلق جاء ما يُسمى ' بصناعة السياحة ' والذي من خلاله تحولت السياحة إلى منهجية تقوم على بيانات ومعلومات دقيقة تؤسس لدراسات علمية تنتقل عن طريقها الجهود من الممارسات الاجتهادية إلى التعاطي العلمي.
ولكن هذا الفهم العميق لماهية السياحة يشوبه بعض الاضطراب لدينا ؛ على الرغم من الجهود التي تبذلها الهيئة العليا للسياحة ، إلا أنها تبقى محاولات قد لا يتلمسها المستفيد على أرض الواقع ، وإن توافرت على استحياء ، فهي تفتقد لأبسط معايير الجودة ؛ فالسياحة عندنا لا تتجاوز أن تكون ممارسات جافة لا تمنح البهجة، ولا تعكس أن ثمة فكرا يُدير هذا المرفق ، بقدر ما هي أجساد تُفكر بجيوبها وتتفنن في ابتكار الوسائل لزيادة رصيدها المادي دون الاهتمام بأن دورهم يتجاوز هذا الأفق الضيق إلى القيام بواجب وطني كبير يعكسون من خلال أدائه - سلباً أم إيجاباً - صورة عن وطنهم في حال المُرتادين من الخارج ، أو عن مدنهم في حال المصطافين من الداخل .
وعضَّد هذا التعاطي الفردي - السلبي - الكثير من الممارسات من الجهات الخدمية ذات العلاقة بتوفير أسباب نجاح السياحة ، وتفعيل البعد الثقافي لها، واستثمارها على أنها وسيلة سانحة لإبراز المكتسبات التي استطاع الوطن إنجازها، ومن هذه المرافق:
1- إمارات المناطق ومحافظاتها ؛ فعلى الرغم من أن دورها استراتيجي ، إلا أن ضعف الأجهزة ذات العلاقة المباشرة بالخدمات التابعة لها يجعلها تُفعّل دورها الرقابي أكثر من أي وقت ؛ فالمستثمرون يُخططون لكعكة الصيف بشراهة تستوجب كبح جماحها بالمتابعة الدقيقة ، وتطبيق القوانين المسنونة.
2- الأمانات والبلديات ؛ فدورها الرقابي ضعيف على الأسعار والنظافة ، إضافة إلى عدم توفير مقومات الترفيه ، ومنح الفرصة في ذلك لهوامير القطاع الخاص بالاستثمار دون متابعة ما يفرضونه من رسوم باهظة تُنفِّر مرتادي منتجعاتهم البئيسة ، ولعل أبرزها فرض رسم دخول على كل فرد ، في الوقت الذي تنص الأنظمة على منع أيٍ من أصحاب المنتجعات أخذ أي رسوم للدخول ، ولكن الواقع يخالف الأنظمة المنسيِّة في اللوائح ، ومن يُريد التأكد من ذلك من مسئولي الأمانات والبلديات ، فما عليه إلا التوجَّه بأفراد أسرته لأحد هذه المنتجعات ، شريطة ألاّ يُفصِح عن شخصيته ؛ لكي لا تأتي فرقة حسب الله وتستقبله استقبال النبلاء.
3- الخطوط الجوية : وتقوم هي الأخرى بتقويض الفرحة صيفاً وشتاءً؛ فالمفترض أن تستعد - على اعتبار أنها الناقل الوحيد المُتسيِّد - بخطط طموحة تتواءم مع كونها أصبحت جهة مستقلة وذات صفة اعتبارية ، عن طريق زيادة رحلاتها بين المدن، لا أن تعمل على تقليلها بل إلغائها ، فهي بذلك ترتكب خطأً مزدوجاً يتمثل الأول في حرمان مدن الأطراف من حقها الطبيعي في الاستمتاع بالخدمات الجوية ، ويتمثل الثاني في زيادة الضغط على مطارات مدن المركز (جدة -الرياض -الدمام)، ولا يخفى عليكم كمَّ التكدس الذي تتعرض له هذا المطارات ، وقبلها صعوبة الحصول على مقعد من مطارات الأطراف.
هذه بعض الرؤى أطرحها بين يدي المسئولين عن السياحة لعل وعسى أن يتلمسوا من خلالها نبض المجتمع التوَّاق لصيف ساخن طقساً بارد مادياً.