حديث الاربعاء
يوم رحل محمد صلاح الدين عن دنيانا، سألني مندوب جريدة بعد أن آويناه الثرى.. ماذا في الجعبة عن الفقيد؟ تلعثمتُ، إلاَّ من عبارة قصيرة، لقد فقدنا اليوم قيمةً، وكاتبًا فذًّا، وناظر مدرسة صحفية يدين لها الكثير. * لم يكن محمد صلاح الدين كاتبًا عاديًّا.. كان من القليلين الذين لا يمج القارئ رؤيته كل يوم. لم يشغل زاويته الشهيرة «الفلك يدور» بالتعليق على ما تنشره الصحف، أو يجعل منها بريدًا للقرّاء ليملأ فراغًا.. كان صاحب قضية عنوانها الإسلام في العالم، ساحتها تلك الزاوية العريقة، لأكثر من خمسين سنة، ولم يكن قارئًا عاديًّا، رغم وقته المزحوم بالعمل والواجبات الاجتماعية. وتمتلئ مكتبتي بالكثير من اختياراته، فلا يعود من سفر إلاَّ وفي يده كتاب، ولا تلتقي به إلاَّ وفي جيبه قصاصة لمقال، يرى أن يشاركه في قراءتها الآخرون. كان مثقفًا حقيقيًّا، يؤثر الصمت حينما يكون الضجيج تافهًا، كان يعبّر عن سخطه لذلك الضجيج بالسكوت تارة، وباصطناع النوم تارة، ولكنك تجده قامة وسط كوكبة المفكرين والجادّين. في منزله التقيتُ الدكتور حسن الترابي، وفي منزله تعرّفتُ على كثير من رجال الفكر الإسلامي -مع حفظ الألقاب- راشد الغنوشي، ومحمد عمارة، ومحمد سليم العوا، وطارق البشري، وعصام البشير. * يمر عام على رحيل محمد صلاح الدين.. لقد قضى في ليلة مباركة في شهر رمضان، وها نحن اليوم نتذكره.. كان محمد صلاح الدين في حياته رائعًا، وفي ذكراه أيضًا.