عندما تفقد الأمة مكانتها المعنوية

عندما تفقد الأمة مكانتها المعنوية
الاعتداء الإسرائيلي على السودان يبعث برسائل واضحة بأن يدها الإجرامية ونياتها العدوانية قادرة على أن تطال أي مكان، وأي فئة تشك أنها يمكن أن تُشكِّل تحدِّيًا لسياساتها العدوانية في المنطقة، كما أن دقة التنفيذ لعملياتها يثبت عدم فعالية أي نوع من الاحتياطات لدى بعض دول المنطقة، بل ويتعدى ذلك ليبرهن بجلاء على التفكك الذي حل بالتضامن العربي المفترض وجوده بالحد الأدنى بين دول يجمعها مصير واحد للحيلولة دون أي توجه عبثي من قبل إسرائيل وغيرها من أعداء الأمة. والسودان ليست دولة مجاورة للكيان الصهيوني، ولكنها بعد أن ضمنت تحييد كل جيرانها، والتمتع بانتهاك الحدود برًا وبحرًا وجوًا كيفما تشاء؛ في لبنان وسوريا والأردن وسيناء والبحر الأحمر من العقبة إلى باب المندب، فإن ما قامت به في السودان دليل آخر على طول يدها دون منازع سوى التصريحات والتبريرات التي لا قيمة لها على الإطلاق على أرض الواقع. في زمن مضى كان هناك مقاطعة وقطع علاقات وعدم اعتراف وحشد من قبل الدول العربية لكل الدول الصديقة.. والإسلامية في مقدمتها.. ضد إسرائيل، وبعد الصلح المنفرد مع مصر، واتفاقية أوسلو ووادي عربة، فقد العرب أي تأثير معنوي لدعم قضيتهم، وأصبح التعامل معها في المحافل الدولية من باب المجاملة ورفع العتب فقط، لعلمهم بعدم جدية العرب في التعامل مع قضيتهم الكبرى، وقد أدى ذلك لفتح المجال لإسرائيل لتوسيع نفوذها وتطوير علاقاتها مع الدول الإفريقية والآسيوية واللاتينية، داعمة موقفها في المفاوضات مع تلك الدول بما فعلته أكبر دولة عربية وما فعله الفلسطينيون أنفسهم في اتفاقية أوسلو الشهيرة التي أخذت إسرائيل منها كل ما تريد، ورفضت كل ما يريده الفلسطينيون. وما حصل في شأن إعادة السفراء مؤخرًا لا يدع مجالًا للشك بأن العمل العربي أُصيب في مقتل على أيدي العرب أنفسهم، وتلقفت إسرائيل ذلك الإخفاق بكل ترحاب، لتوظّفه لخدمة مصالحها، وبسط نفوذها على المنطقة، وذلك يتم بمباركة ودعم كامل وتأييد مطلق من أمريكا التي لا تخفي علاقتها الحميمة وحمايتها لاعتداءات إسرائيل.. رأس حربتها في المنطقة. وبعيدًا عن هلوسة نظرية المؤامرة، فإن ما يُراد بالمنطقة من تفتيت لكياناتها الوطنية يجري إخراجه بالتدريج، وما تفعله إسرائيل مجرد تنفيذ لخطط مرسومة بدأت بهزائم وتحطيم المعنويات واتفاقيات منفردة وقمع انتقائي أينما تريد وفي أي وقت تريد، وما يحصل تجاوز مرحلة المؤامرة إلى مرحلة التنفيذ الفعلي على أرض الواقع، وحادثة السودان الأخيرة مجرد تسلية تجريبية لما هو آت في أماكن أخرى ستكون آثارها أعمق وأسوأ مما يتصوّره البعض ممن يرون في إسرائيل أقل خطرًا من غيرها على أمن المنطقة. هذه ليست المرة الأولى للكتابة في هذا الموضوع، وهذا القلم ليس الوحيد الذي حذر ولا زال يُحذِّر من عواقب التفكك؛ الذي أصاب العمل العربي، والوقت بدون شك في صالح أعداء الأمة في الوقت الراهن. وكما هو معلوم بأن المجال مفتوح للتعلم من تجارب الآخرين، فإن في التجارب الإسرائيلية الكثير من الممارسات التي بإمكان العرب التعلم منها، فهي بدأت باستراتيجية للبقاء والتوسع والنمو، وتسير حسب خطط مدروسة وبرامج محددة -إجرامية بدون شك- ولكنها ناجحة، ولا يوجد ما يمنع من دراسة تلك الخطط والعمل على التصدي لها، والواقع أن لا الدول ولا الجامعة العربية ولا مراكز الأبحاث في الجامعات العربية لديها مراكز دراسات لذلك الغرض رغم أن ما تقوم به إسرائيل يهدد الأمن القومي العربي في الصميم، وينبغي مواجهته بكل ما يتطلب الأمر من قبل الجميع قبل أن تهوي أعمدة الخيمة على رؤوس أصحابها. وما حصل في السودان دليل واضح بأنه لا استثناء عندما تفقد الأمة مكانتها المعنوية ويصبح الأمن القومي العربي هو الهدف.

أخبار ذات صلة

«اسحب على الجامعة يا عم»!!
حكاية مسجد في حارتنا..!!
شر البلية ما يُضحك
أطفالنا والشاشات
;
الرد على مزاعم إسلام بحيري في برنامجه إسلام حر
السعودية ومرحلة الشراكة لا التبعية
جلسات علمية عن الخلايا الجذعية
الشقة من حق الزوجة
;
المزارات في المدينة المنوَّرة
خطورة المتعاطف المظلم!
خطورة المتعاطف المظلم!
لماذا يحتاج العالم.. دبلوماسية عامة جديدة؟!
أدب الرحلات.. والمؤلفات
;
كيف نقضي على أساليب خداع الجماهير؟!
المتقاعدون والبنوك!!
د. عبدالوهاب عزام.. إسهامات لا تُنسى
فلسفة الحياة.. توازن الثنائيات