وزارة التربية بين تضارب القرارات وضبابية التوجهات
تاريخ النشر: 06 يناير 2013 05:01 KSA
الوزارة القدوة لبقية وزارات ومؤسسات الدولة في أي مكان في العالم هي وزارة التربية والتعليم ؛ لأنها تكتسب هذه المزية العُليا كونها تقوم على رعاية العقول الغضة ، وتزرع في أذهانهم القيم التي تجعلهم يواجهون معترك الحياة وهم متمكنون من أدواتهم الذاتية ، ويتمتعون باتزان نفسي يستطيعون من خلاله تجنيب أنفسهم وبيئات عملهم ومجتمعهم مزالق السوء ، ولكن شيئاً من هذا - عندنا - ليس موجوداً بالشكل المأمول الذي يجعلنا نثق في قيام وزارة التربية والتعليم بهذا الدور المحوري كما ينبغي ؛ لأن الإرهاصات المتمثلة في القرارات والتوجهات المستقبلية المتضاربة أحياناً وغير المنطقية في أحايين أخرى الصادرة عنها تعكس مؤشراً سلبياً يدعو للتساؤل عن آلياتها في قيادة الحقل التربوي في أوساط المجتمع - عموماً - والتربوي - تحديداً -.
ما ذكرته آنفاً ليس تجنياً على وزارة التربية والتعليم بقدر ما هو نتاج متابعة لبعض ما أصدرته خلال الفترة الماضية من قرارات أوتوجهات أرى أنها سببت هرجاً ومرجاً على كافة الأصعدة ، وللأسف لم يقف الوضع عند هذا بل تجاوزه إلى ترسيخ قناعة لدى الكل مفادها أن الوزارة تعيش أصعب الفترات جراء عدم توافر خطة استراتيجية ذات معالم واضحة لها ، بقدر ما هي خاضعة لرؤى شخصية لبعض قياداتها التي تنطلق من قناعاتها الذاتية ، وكأنها تمتلك الحل السحري دون سواها ، وما على البقية سوى الاقتناع بهذه الرؤى ، وتأكيداً لذلك سأسوق عليكم مثالين يتمثل الأول في قرار أصدره نائب وزير التربية والتعليم - الوزير التنفيذي - متضمناً التقويم الدراسي للعام القادم ؛ حيث نص على أن تكون بداية العام الدراسي الجديد يوم1434/ 10/10هـ ، وهذا القرار يُعد مُخالفة صريحة للقرار الصادر من مجلس الوزراء المتضمن التقويم الدراسي للعشرة أعوام الدراسية القادمة الذي ينص على أن تكون بداية العام الدراسي المقبل يوم17/10/1434 هـ ، واستدراكاً للموقف وتصحيحاً للوضع وبعد أن ظنوا أن عاصفة ردة الفعل السلبية قد هدأت ، قام نائب الوزير لتعليم البنين بإصدار تعميم يُخالف قرار رئيسه المباشر ، ويؤكد ما جاء في قرار مجلس الوزراء ، الأمر الذي يجعلنا نتساءل - جميعاً - ما الداعي للقرار الأول ونحن نسير في ظل تقويم دراسي معتمد من مجلس الوزراء ؟ هل هو استعراض للسلطة الممنوحة ، أم هُيئ له أن عودة الهيئة الإدارية والتعليمية قبل الموعد بأسبوع سيُحقق من الفوائد مالم يتنبه له قرار مجلس الوزراء ، وأراد أن يتلافى هذا القصور ؟
بينما يتمثل انتقادي الثاني توجهاً مستقبلياً نشرت مُلخصه صحيفة المدينة في عددها رقم 18153 الصادر يوم/ 31/12/2012م ، حيث نص التصريح : أوصت وزارة التربية والتعليم بتطبيق نظام الخصخصة وذلك بتحويل أجزاء من التعليم العام الى مؤسسات التعليم الأهلي ، ودعت الوزارة إلى تحويل افتتاح المدارس الحكومية في بعض الأحياء الجديدة إلى منشآت أهلية للتعليم تتولى دفع مبلغ مقطوع أو محدد عن كل طالب يتم إلحاقه بهذه المدارس وفق نظام شراء المقاعد أو السندات التعليمية ، ومع أن هذا التوجه سليم من الناحية التنظيرية إلا أنه لا يتواءم مع واقع دولة شارفت أرقام ميزانيتها السنوية - ولله الحمد - على التريليون ريال ، مما يدعونا مرة أخرى للتساؤل : ما الدافع لدراسة هذا التوجه في الوقت الذي تتمتع المملكة فيه بخيرات كثيرة قادرة بناءً عليها أن تقوم بواجبها الحتمي في تعليم أبنائها أسوة ببقية الدول المُقتدرة مادياً ناهيكم عن غير المُقتدرة ؟ هل هو - فقط - أسلوب أطلع عليه بعض مسئوليها ورأى بثاقب رؤيته أن بتطبيقه سيُخفف عن كاهل وزارته عبء تعليم أبناء وطنه ؟ ألم يعلم وتعلم الوزارة كاملة بأن تطبيق مثل هذا التوجه سيزيد من الأعباء على كاهل المواطنين في مجال أبسط حقوقهم أن يحصلوا عليه في دولتهم ؟