تبوك : وردة في عِدَاد الغرقى
تاريخ النشر: 10 فبراير 2013 03:25 KSA
تتوالى قرابين البنى التحتية المُتهالكة يوماً بعد يوم ، والمؤلم أنها تجاوزت مرحلة الفردية حتى وصلت إلى مرحلة الإضرار بمدن بأكملها ، الأمر الذي يعني أننا أمام أخطاء تُرتكب في حق الوطن من الدرجة الأولى ، وتأسيساً على ذلك فهي لا تقبل التسويف والمماطلة ، وإحالتها إلى شماعة القضاء والقدر – مع إيماننا المُطلق به – إلا أن العقل يأبى أن يُمرر أن ما حدث لجدة قبل فترة وجيزة ، ولتبوك قبل أسبوعين من الآن يعود لأمرٍ مُقدَّر سلفاً ، بل لابد من الوقوف بحزم مقروناً بمساءلة ومحاسبية عن السبب والمُتسبب ، عندها – فقط – نستطيع أن نقول أننا وضعنا بمبضع الجراح الماهر الخطوة الأولى على طريق اجتثاث المرض الخبيث من القوام الممشوق – كما هي جدة أو تبوك – في عيون مُحبيها ، وكل أبناء الوطن هم عُشاق عروس البحر الأحمر ووردة الشمال .
لقد وقعت تبوك بين كماشتي السيول التي انهمرت على أحيائها نتيجة زخات من المطر لم تتجاوز ( 40 ) دقيقة من جهة ، وبين مداهمة السيول المنقولة التي باغتتها على حين غفلة من الأودية المناوئة لها من جهة ثانية ، مما أفقدها ملامحها الأصلية ، وجعل منها مستنقعات تشتكي ضعف التصريف ، وسُبلاً مقطوعة تبكي صعوبة التواصل ، وأُسر مشردة من مساكنها تعض أصابع الندم على تحويشة العمر التي ذهبت أدراج الرياح ، كل هذا والتقارير الممكيجة تعكس أن ما حدث لم يخرج عن السيطرة ، وأن الأمور في نصابها الطبيعي ، فقط ما حدث أن طفلاً كان ضحية لسيول تبوك ، وكأن هذا الطفل لا يُعتد به كإنسان أُريق دمه بسبب الإهمال من الجهات ذات العلاقة بالأمور الخدمية .
إن توالي مصفوفة قرابين الإهمال يجب أن يُعَمل عليها رقابة خارجية مُشددة بعد أن ماتت الرقابة الذاتية في نفوس البشر ، وشُيِّعت بجوار الكثير من القيم التي اندثرت ولم يتبق منها سوى رسومها ، وألسنة تتغنى بها في « هياط « لن يُجدي بقدر ما سيؤول بنا إلى وضع لا يُحمد عقباه متى ما استمررنا في ممارسة الخطأ ونحن متأكدون من عدم وجود عقاب رادع ، واستمرأنا السكوت غير الأخلاقي على التصرفات غير الحضارية التي صادرت ولا تزال المال العام على مشاريع اكتشفنا من أول تجربة تتعرض لها أنها هُلامية التحمَّل ، وعرّتها سحابات تساقطت قطراتها الندية لفترات وجيزة ، فكيف لو كانت غزيرة وعلى مدار العام – كما هو حال بنجلاديش - ؟ حتماً سيكون وضعنا محرجاً ، ورُبما دخلنا ضمن قائمة جينس للأرقام القياسية في مستوى الغرق المستمر ، والأدهى والأمرّ من ذلك أن بيئتنا صحراوية تفتقر للمياه الجوفية التي تأبى أن تتسرب إليها كميات أخرى .
ما سقته أعلاه ليس جلداً للذات بهدف الإثارة وتسجيل موقف ضد أحد بعينه ، بقدر ما هي حُرقة مواطن مُحب لوطنه غيور عليه – يجزم أنه يتكلم بصوت الضمير الجمعي – الذي يرى تراكمية الأخطاء الفادحة وتتابعها بين الفينة والأخرى دون بروز بوادر أمل تلوح في الأفق القريب عن إجراءات عملية ممنهجة تتلافى سلبيات ما حدث ، وتأخذ في الاعتبار الأساليب الوقائية المستقبلية للحد من التغيُّرات المتوقع حدوثها ، بقدر ما يرى أن القرابين تتوالى ، فهذه تبوك تأتي ثانية بعد جدة ، ولا نعلم مَنْ هي الضحية الثالثة ، عندها نستطيع أن نصدح بصوت عال بالمثل الشعبي الذي يقول : الثالثة ثابتة .
Zaer2@gmail.com