طريق الفيل .. آثار حبشية لجيش أبرهة وذكريات الشتاء والصيف
يعتبر طريق «الفيل» الواقع بمنطقة الباحة معلمًا أثريًا وتاريخيًا عملاقًا، ومحطة من محطات السياحة بالمنطقة، والذي لا يزال يثير الكثير من التساؤلات حوله، حيث جاء ذكره ضمنيًا في القرآن الكريم، عبر ما عرف برحلة «الشتاء والصيف»، والتي كانت القوافل تتجه من اليمن عبره إلى مكة المكرمة ومنه إلى بلاد الشام صيفًا، وتعود عبره القوافل شتاء عبر الرحلة المشهورة الخالدة رحلة الشتاء والصيف، ويعود إنشاء هذا الطريق إلى قرون بعيدة، حيث كان طريق التجارة المعروفة التي تتجه من اليمن إلى مكة ومن ثم إلى بلاد الشام، إلا أنه ارتبط باسم «الفيل» لأن أبرهة الحبشي سلك نفس الطريق عندما أراد هدم الكعبة المشرفة قبل نحو 1500 عام، ولكن الله عزوجل أهلكه وقومه.رصف الحجارةويقع طريق الفيل في الشمال الشرقي من منطقة الباحة ويبعد عن بلدة جرب بحوالي 24 كلم أي أن المسافة من الباحة إلى بداية الطريق تقدر بحوالي 70 كلم.. ويلاحظ المشاهد لهذا الطريق مدى قوة أولئك القوم وصبرهم على رصف الطريق بأحجار مستديرة لتذليلها لوطء الفيلة وقوافل الجمال الناقلة لعتادهم لمسافات طويلة، كما تضم الأحجار المرصوفة على جنبات الطريق العديد من النقوش والخطوط الحبشية.وقد تميز طريق الفيل بالرصف وذلك بطريقة فنية وتقنية معينة، حيث لا تزال العديد من أجزائه محتفظة بكافة مبانيها على الرغم من كل تلك السنين التي مرت على بنائه، كما يتميز بكثرة الكتابات والرسوم المختلفة، إضافة إلى وجود أرقام تعود إلى عهد قديم من زمن الكتابة والترقيم ورسومات الفيل التي توجد منحوتة بشكل دقيق على قارعة الطريق وفي مسافات متباينة ومتباعدة تستوقف كل من يشاهدها، كما أن العجيب في هذا الطريق أيضًا أنه خضع إلى عملية ترقيم تحدد مسافاته، حيث تظهر واضحة برموزها العددية على جنبات الطريق، كما كان هناك استخدام لنوع معين من الحجارة الملساء التي تم رصفها في أرضية الطريق بطريقة متساوية تمامًا فيما بينها، وكذلك استخدام حجارة أخرى من المواقع المجاورة للطريق لبناء رصيف خاص بالطريق من الجانبين، في كثير من المواقع بمثابة حواجز صخرية، إضافة إلى وضع ما يشبه الطريق المزدوج الذي يتفرع من بعض منحدرات الأودية والتي يضيق فيها الطريق، حيث تسهل مرور القوافل، كما يبلغ عرض الطريق قرابة الأربعة أمتار، حيث استخدمت طريقة البناء بأسلوب مختلف يشبه الجص في ممرات الأودية، حيث لا يمكن لمياه الأودية والسيول جرف صخور الطريق التي تم بناؤها لتعبيده.آثار على الطريقويؤكد أحد أبناء القرى المجاورة للطريق أن هناك أجزاء كثيرة من الطريق اختفت تحت الرمال والصخور خصوصًا التي تحاذي الأودية والبعض الآخر اندثر تمامًا بفعل السنين وأجزاء أخرى نبتت بها الأشجار حتى أصبح من الصعب جدًا التعرف على مسار الطريق نظرًا للأشجار الكثيفة والكبيرة التي نبتت في الطريق نفسه.ومما يزيد هذا الطريق إثارة وجود مبان مهدمة تشبه إلى حد ما الغرف التي تنتشر عبر مسافات مختلفة على امتداد الطريق والتي قد تكون محطات تستريح فيها القوافل المسافرة عبره، والتي تم بناؤها من صخور الجبال والحرات المجاورة للطريق، حيث يختفي تمامًا في السهول الشاسعة وخاصة في السهل الكبير بمركز جرد والسهل الكبير في كرى الحائط، إلا ان الطريق يظهر في وضوح تام في المناطق الجبلية والتي تعرف بـ»الحرات البركانية»، والذي يصفه أهل بوادي الحجاز بـ»نظر البندق» أي يشبه مسار رصاص البنادق، فبالوقوف في عدد من الموقع والتثبت من اتجاه الطريق يمكن اكتشاف مساره بنفس الاتجاه تمامًا لمسافات تزيد في بعض المواقع على الكيلومتر، ويتخلل الطريق جبال السراة بشكل يعكس دقة اختيار مسار الطريق الذي ينطلق في شكل شبه مستقيم في أغلب مساره عبر سهول وبطون أودية جبال السراة.