انكشف العور.. وزالت الحجب!!
تكشَّفت في غضون الأسابيع الأخيرة فضائح الشَّهادات المزوَّرة والوهميِّة، ولعلَّي لا أجانب الصَّوابَ إذا زعمت- حقَّاً- أنَّ أوَّل من كَشَف عورَ هؤلاءِ وأزال حجب سقطاتهم المخجلة هو زميلي القدير الدكتور عبدالرحمن العرابي عَبْر سلسلة مقالات رصينة كتبها في هذه الصحيفة؛ فضحًا للمستور، وتحذيرًا للغافل المسكين، وذلك قبل أكثر من خمسة أعوامٍ تزيد أو تنقص. وعطفًا على ذلك؛ فإنَّ الزَّميل العرابي قد تحسَّس ذلك الخطر الماحق بحق المجتمع، فضلاً عن تبعات ذلك القبح والسُّوء على المستوى الثَّقافي والمعرفي، حينما رأى شؤون الفكر والثقافة وما يتبعهما تؤول إلى من يدَّعيها؛ من حملة هذه الشَّهادات المباعة في الغرف المغلقة، والشّقق المستورة؛ يشرونها بثمنٍ بخسٍ دراهمَ معدودة، يرتقون بها المناصب وينالون من خلالها الحظوة عند الدَّهماء والجهلة؛ حتى أضحت سقطة في حقِّ العلم وتعالم ساقط حال خضوع حاملها للدِّرس والتَّحقيق!! لقد امتلأت صحفنا إبِّان ذلك بإعلانات التَّهاني والتَّبريكات من الأصحاب والخلان، وهم يروِّجون لبعضهم البعض من خلال شهادة مزجاة بائرة لا تسمن ولا تغني عند الفحص والتَّدقيق، فإنَّ قلت إنَّها كذبة كبرى صدقها كلّ حامل لها، فأنت محقّ كلّ الحق، وإنَّ قلت إنَّها مصيبة عظمى في حق الثقافة فلست في الحالتين من المبالغين أو المجاوزين عين الحقيقة. وتعاظمت الكذبة، وتضخَّمت الأْنا حينما صدَّق حاملو تلك الشَّهادات أنَّهم على حقٍّ أُخِذ بالجهد والمثابرة وثني الرُّكب حتَّى تكاثر المدعون وتوالدوا، فأفسح بعضهم لبعض نيل الألقاب، فتربّعوا على منصّات التَّتويج، فارتفعت أصواتهم في النَّوادي الثَّقافيّة، وتعالت نبراتهم في المحاضرات والنَّدوات العلميِّة، فتفنَّنوا ظهورًا إعلاميًا شاخصًا بصورة ملفتة!! لقد مات الكثير من المفكرين والكُتَّاب والمثقفين ممّن لهم أثرهم في المشهد المعرفي الذي لا يغفله إلاَّ جاهلٌ أو مكابر، طارحين وراءهم العديد من الرُّؤى الخلاَّقة ما كان له عظيم الأثر لِما تعاقب من أجيال لا نزال إلى السَّاعة نتتلمذ على ما أشقاهم بحثًا وتنقيبًا بين الأضابير ورفوف المكتبات. هنا سؤال يتبدّى مطلاً برأسه: هل في حمل الألقاب العلميِّة من ضير، أو مسبّة، أو نقيصة ؟!، لا والله؛ ولكنَّ الضَّير كلّ الضَّير ممّن يحملها بدون وجه حق، تارة بشهادات مزوّرة، وتارات أُخر من خلال أبواب الشّقق المغلقة، ومداخل الغرف المحجوبة، والدَّكاكين المفتوحة، بحثًا عن شهرة ساقطة سرعان ما يتراءى زيفها عند الفحص والتَّدقيق. إنَّ الخوف البالغ حدّ(الألم) هو تغلغل هؤلاءِ وأمثالهم في ثنايا الخطاب الفكري خاصّة، والثقافي عامّة، فإذا كان الروائي الكبير يوسف القعيد قال ذات مرة (إنَّ الذين يدّعون الثقافة موجودون بكثرة فإنَّ جوار كل مثقّف حقيقي مائة يدعونها) فإنَّنا نقول بلسان الحال، والمقال- أيضًا- إنَّ بجوار كلّ مثقّف حقيقي هنا ألف يدّعون الثّقافة. لقد أضرّ هؤلاء المفضوحون بأنفسهم وبالثّقافة بقبح فعلهم وسوء مقصدهم، وأفسدوا وقار الشّارات العلميّة بشهادات تؤخذ في جنح الظّلام، وتباع بثمن بخس!