رأس الفتنة: باسم الدِّين!!
ما بين الفينة والأخرى يطلُّ علينا بعض المتْفَيقهة برأس الفتنة و(الفَتْنَة أشدُّ مِنْ القَتْل) وهم يعرضون نصائحهم وإرشاداتهم باسم الأمِّة كلّها صغيرها وكبيرها، عالمها وجاهلها؛ ومقولهم لا يخلو من نبرة الفتنة، كأنَّهم أوصياء على النَّاس جميعًا، تارةً باسم الدِّين، وتارةً أخرى باسم الخوف على الوطن، فكأنَّ المجتمع هنا قد خلا من المؤمنين الأتقياء، ومن الوطنيّين المحبين لوطنهم!! لم تكن هذه النَّبرة التي يسعى البعض إلى إثارتها وليدة يومنا هذا فقد تحسَّسها العلامة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - وحذَّرنا منها أيّما تحذير فهو يقول:'معلوم أن قيادة الأمة تكون بصنفين من الناس لا ثالث لهما :الصنف الأول :العلماء. والصنف الثاني: الأمراء. وهم المقصودون في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ). ويضيف - رحمه الله- 'ومعلوم أن الأمة إذا لم يكن لها قيادة، قيادة في دين الله تكون على أيدي العلماء، وقيادة في الأمن، أمن السبل، أمن البلاد ،وتكون على يدي الأمراء، إذا لم تكن هذه القيادة: أصبح الناس فوضى، أصبح كلٌ يعبد الله بما شاء، بالهوى بغير علم؛ فيضل هو بنفسه ويضل غيره'. ويؤكد الشيخ ابن عثيمين 'إذا لم يكن هناك حماية للأمن وللطرق وللبلاد عن طريق الأمراء أصبح الناس فوضى يقتل بعضهم بعضاً، ويكسر بعضهم بعضاً، ولا يبالون؛ لأنهم ليس لهم سلطان يحميهم كما أنَّ الأولين لا يبالون إذا خالفوا الشريعة ؛لأنهم ليس لهم علماء يقتدون بهم . ولهذا أقول : إن من الخطأ العظيم الفادح أن يقع الناس في أعراض العلماء أو يقع الناس في أعراض الأمراء...نحن لا نبرئ العلماء من الخطأ، ولا نبرئ الأمراء من الخطأ، كلٌ يخطئ ويصيب لكن هل يجوز لنا أن نتتبع عورات العلماء وعورات الأمراء، ثم يُتخذ من هذا وسيلة لسبهم والقدح فيهم، وتهوين أمرهم على الناس، وتهوين قوتهم بين الناس؟! ما أعتقد أنَّ هذا جائز! لا عقلاً ولا شرعاً'. وفي هذا السياق يقول الشيخ السعدي - رحمه الله تعالى - : 'على الناس أن يغضوا عن مساويهم - أي الملوك والأمراء - ولا يشتغلوا بسبهم بل يسألون الله لهم التوفيق؛ فإن سب الملوك والأمراء فيه شر كبير وضرر عام وخاص'. وقصر القول: أقسم بالله إنَّ الجميع يعرفون أنَّ هناك خللاً قائماً؛ ولكنَّه خللٌ يتحسَّسه جميع المسؤولين في الدولة، وأقسم بالله ثانية إنَّ الجميع خاصَّة العقلاء يستوعبون ذلك جيّداً؛ ولكنَّهم لا ينظرون إلى هذا الخلل بمرآة المصالح الشَّخصيّة، والنُّفوس المريضة المثخنة بالحقد والضَّغينة، فكم واحد من هؤلاء المتْفَيقهة أسقط علينا ما يزعمه حقاً؛ ولكنَّه باطلٌ وإنْ ظهر في لبوس الحق!! فبين ظهرانينا فئتين؛ الأولى سيماها واضح جليّ سَعَت وتسعى إلى الطَّعن في العلماء المعروفين بالتَّقوى، وفئة أخرى تتحيّن الفُرص في النَّيل وإسقاط المثلبة في بعض مسؤولي الدولة.