وأمطرت لؤلؤاً
تاريخ النشر: 05 مايو 2013 01:35 KSA
تداعى لي جراء هطول الأمطار التي عمَّت الكثير من مدن وقرى المملكة - جعلها الله سُقيا رحمة - بيت يزيد بن معاوية الذي يقول :
وأمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت ... ورداً وعضَّت على العُنَّاب بالبرد
ولكن مع الفارق في التشبيه بين المطر « الدموع « التي ذرفتها عيون المحبوب على فراق محبوبته فكان ما كان من عض الشفاه الحمراء بالأسنان الفاقعة البياض ، وبين المطر الذي انهمر من السماء وكان ما كان من الخراب والدمار الذي خلّف وراءه ألماً في القلوب الثكلى لمسكنها ولمقدراتها الأخرى .
هذا الربط جعلني أتخيل الدموع التي ذرفها أهل جدة في كارثتيها المشهورتين ، وجاءت بعدها تبوك ، وهاهي الدموع تتفرق لتصل إلى الكثير من مناطق الوطن الذي صحا مواطنوه ووجدوا أنفسهم غرقى ، تخيلوا زخات من المطر جعلتنا على شفا جرف هارٍ ، وأودت بكثير من الممتلكات ، وعرَّت تداعياتها البنى التحتية المتهالكة ، واستنفرت معها الجهات الحكومية أقصى طاقاتها البشرية والمادية للتخفيف من وقع المأساة التي كان من المفترض تلافيها قبل حدوثها بالتخطيط السليم والتنفيذ المُتَابع ، والبعد كل البعد عن التهاون في أمور تمس سلامة وصحة المواطن المُباشِرة .
إن ما حدث من تبعات للأمطار التي تحولت من غيث يُحيي الأرض بعد موتها إلى فناء للكثير من المُقدرات يستحق الوقوف عنده وقفة صادقة لا ترتهن للمجاملات لحظة ، ولا للمزايدات على مصلحة المواطنين أبداً مهما كانت المُبررات التي تُحيل الأسباب إلى شماعة القضاء والقدر وتُعلَّق عليها الأخطاء عند حدوث أي عارض ، ونتجاهل أننا مدعوون للأخذ بالسبب ، ولكن يبدو أن الفهم القاصر والجشع المتنامي لدى البعض تغلَّب على الخوف من الله في الحقوق المُسندة للقائمين على المشاريع الخدمية التي تصرف عليها الدولة مليارات الريالات ؛ لنتفاجأ بأن جودة تنفيذ بعضها في أدنى درجاتها جراء مُخالفتها للمواصفات والمقاييس التى صُممت لتنفيذها .
لقد تراكمت الأخطاء بشكل لم نعهده منذ قبل ، والأدهى والأمَّر أن الممارسين أمنوا العقوبة ، وكما قيل : من أمن العقوبة أساء الأدب ، ولعمري لقد تجاوزوا الأدب بصورة نُنادي من خلالها وبصوت مُرتفع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد - نزاهة - بأن تُفعِّل دورها في مثل هذه الممارسات التي تعكس الوجه القبيح للفساد بما لا يدع مجالاً للبحث عن حيثيات للقضية ، ومُستندات للإثبات ، حتى لا تأخذ البيروقراطية وضعها المميت ، وتضيع حقوق المكلومين ، ويزداد الجشعون ثراءً فاحشاً ، ويتكبَّد الوطن المزيد من الهدر غير المنطقي ، بل يجب الضرب بحديد على يد كل من شارك – تخطيطاً وتنفيذاً واستلاماً – في مشاريع هُلامية الأمر الذي أدى إلى انهيارها عند أول اختبار حقيقي لها .
عودة للتخيُّل .. لو كانت بلادنا من الدول التي تستمر فيها الأمطار بالأشهر فماذا سيكون حالنا ؟ وكيف ستؤول إليه أوضاعنا ؟ حتماً سيكون الأمر مأساوياً بشكل يجعلنا ملفتين لأنظار العالم الذي يعي جيداً بأننا نمتلك ثروة مالية كبيرة ، ولكن جهاتنا الخدمية للأسف لم تُحسن استثمارها بشكل يخدم الصالح العام من خلال تصميم بُنى تحتية متينة وتوفير خدمات نوعية ، بقدر ما ذهبت هذه الأموال أدراج الرياح .
أتمنى أن يُعاد النظر في الكثير من المؤسسات والشركات الوطنية المُنفِّذة للمشاريع الخدمية ، بناءً على ما أظهرته من أداء متواضع ، والاستعانة بالشركات الأجنبية ذات الخبرة المتميزة في مجالها ، ولعل مُبرري في ذلك هو الجودة العالية التي لا زالت تتمتع بها المشاريع التي قامت بها مثل هذه الشركات في حِقب زمنية ماضية ، واستمرارها وكأنها مُنشأة الآن ، بعكس ما تقوم به مؤسستنا الوطنية من جهد أقل ما يُقال عنه أنه عبث بكل أسس البناء والعمار .
Zaer21@gmail.com