الاختبارات.. هل هي شبح في الأصل؟!

الاختبارات.. هل هي شبح في الأصل؟!
شاع في القدم مفهوم سلبي للاختبارات مفاده أن في الاختبار يُكرم المرء أو يُهان، وتواترت هذه المقولة ذات الدلالة غير الموضوعية بين الناس، حتى وصل الأمر إلى أن ثورة عارمة تجتاح الأسرعند انسدال شبح أيام (الامتحانات)؛ فتجد الأب في قمة هيجانه التربوي غير المُوفق، وتتأهب الأم لدور مزدوج داخل 'ثكنة' الزوجية، وتصدر المراسيم العائلية بعدم مُغادرة البيت مهما كانت الأسباب، ومُبرر ذلك -فقط- هو أن 'الامتحانات' على الأبواب. هذا التعاطي أسَّس لمرحلة شائكة أدَّت إلى حدوث أزمة في المجتمع نتيجة 'الإرهاب التربوي' الذي ولَّدته الإسقاطات الماضوية، ليصل بنا إلى مُخرجات تمحور همَّها على الحفظ الأجوف للمعرفة المُجرَّدة وإفراغها على الأديم دون وجود مُؤشِّرات تعكس أن هذه المعارف أدَّت إلى تشكيل شخصية ما لهذا الطالب أو ذاك، بقدر ما كان حدّها الزمني لا يتجاوز ورقة الاختبار بأكثر من أيامٍ معدودات، وتتبخر كما يتبخر الماء. حتمًا ساهمت المؤسسات التربوية في انتشار هذا الداء العُضال الذي لا زلنا نُعاني من تداعياته نتيجة ارتهانها للوسائل التقليدية في تطبيق معايير التقويم، واقتصارها -في الغالب- على الاختبارات التي تقيس الجانب التحصيلي فقط، دون تدعيم ذلك بوسائل أخرى تتجاوز هذا الإطار الضيِّق لعل من أبرزها المشروعات الذاتية، والملف التراكمي لإنجاز الطالب خلال العام الدراسي، وغيرها الكثير الذي لا يتسع المجال لذكرها -هنا- وتزخر بها مصادر الأدب التربوي، وإن كانت حِدة هذا البلاء خفت -إلى حدٍ ما- في الوقت الحالي؛ نتيجة تطور الوعي الجمعي، وقيام المؤسسة التربوية بتطبيق عدد من الأساليب التقويمية الحديثة والتي أثبتت نجاحها في بيئات غير بيئتنا؛ من أبرزها 'التقويم المُستمر' الذي أزال الرهبة بل قلل الرعب عن كاهل طلاب وطالبات المرحلة الابتدائية، على الرغُم من الاتهامات التي وُجهت إليه دون التأمل في المُسببات الأساسية للمستوى الذي وصل له خريجوه؛ فهل يكمن السبب في النظام كنظام؟ أم أن بيئتنا غير مُهيّأة لتطبيق مثل هذا الأسلوب؟ أم أن القائمين عليه لا يمتلكون مهارات تطبيقه، وبالتالي 'فاقد الشيء لا يُعطيه'؟. دعوني أُلفت النظر لمفهوم منطقي للتقويم تناوله الكثير قبلي، ولكن من باب التذكير أحببتُ طرحه، ألا وهو: أن التقويم وسيلة وليس غاية، فإسقاط هذه العبارة على واقعنا نجد أن تقويمنا يتمركز حول كونه غاية في ذاته، تُعدُّ له العُدد، وتُجلب له المساعدات الداخلية والخارجية وبأثمان غالية تُشبه مؤشر البورصة في أوج اخضراره، الأمر الذي يعني أننا أغفلنا الهدف الأسمى لعملية التقويم كوسيلة -فقط- لقياس ما اكتنزته شخصية الطالب والطالبة من معارف، وما اكتسبته من اتجاهات إيجابية، وما أتقنته من مهارات، وما تبلور في سلوكه من ممارسات تنعكس إيجابيًا على تعاملاته الحياتية، بمعني عام 'إعدادهم للحياة'، دون الإمعان في الاستعراض غير المُبرر من قبل الأساتذة على طلابهم باختبارات لا تُسمن ولا تًغني من جوع، دون قيامهم بما هو موكل إليهم على الوجه المطلوب، والذي يُخوِّل لهم أن يقيسوا ما قدّموه لطلابهم خلال فترة إشرافهم عليهم. أُمنية أسوقها إلى كل المهتمين في الحقل التربوي بأن يتجاوزوا المفهوم الضيِّق للتقويم، من خلال تبني التعددية في مصادر تقويم الطلاب؛ لنصل بالفعل إلى حصيلة كمية نوعية في ذات الوقت تعكس فَهمًا لا حِفظًا، وتُعِّد شخصية للحياة لا عالة عليها. Zaer21@gaamail.com

أخبار ذات صلة

عقيقة الكامخ في يوم العربيَّة
قُول المغربيَّة بعشرةٍ..!!
في رحاب اليوم العالمي للغة العربية
متحف للمهندس
;
وقت الضيافة من حق الضيوف!!
السرد بالتزييف.. باطل
عنف الأمثال وقناع الجَمال: قلق النقد ويقظة الناقد
مزايا مترو الرياض
;
الرقص والنقص.. مرة أخرى!!
تكريم سمو الأمير خالد الفيصل
سوريا.. هل استوعبت الدرس؟
خمسة اعتقادات خاطئة عن السعوديين في بيئات العمل!
;
ترتيب الأولويات الدولية لدبلوماسيتنا الناعمة
العبقرية.. ليست بالفطرة أو الوراثة
قبل أن ينتهي عام 2024
تحديات وصعوبات