الإلحاد وإرادة الانتحار
تاريخ النشر: 30 مايو 2013 07:21 KSA
بغض النظر عن التناقض المنهجي الذي يقع فيه الملحد، حيث لا ينقض الملحد منطق الإيمان بقدر ما يسعى إلى تكريس إيمان مضاد يقوم على الإنكار عن طريق استخدام نفس الأدوات الإطلاقية التي يتسم بها الخطاب الإيماني.. بغض النظر عن ذلك، فإن الملحد يتجاهل الاحتياجات غير المادية للإنسان، ويتعامل معها وكأنها ليست موجودة.
الاحتياجات غير المادية للإنسان لا يمكن تلبيتها إلاَّ من خلال المجالات الروحية. هذا لا يستلزم وجود علاقة شرطية بين المجالات الروحية التي تشبع احتياجات الإنسان غير المادية، وبين الدين. الدلالة التي أرمي إليها عندما استخدم عبارة (المجالات الروحية) تعني ممارسة الوجود الفردي بشكل يسمح للمرء بالانفصال عن الواقع لبرهة.. بمعنى أكثر دقة: فإن أية ممارسة تسمح للمرء بأن يتحقق وجوديًّا بشكلٍ يتيح له عدم الشعور بالارتهان لاشتراطات الواقع وقوانين الزمان والمكان، تدخل ضمن ما يُسمَّى بالمجالات الروحية.
البعض يُحقِّق هذا المستوى من الوجود باللجوء إلى الشعائر الدينية، والبعض يضيف إلى الشعائر تنمية الذائقة الجمالية، وما يُصاحب ذلك من تفاعل قائم على التأمُّل، مع منابع الجمال التي يعد التفاعل مع الفنون، شكلاً من أشكالها. والبعض، هؤلاء هم من الشباب الذين لا حظ له من ثقافة، أو ذائقة جمالية، أو نزعة تدين، يلجأ إلى عوامل خارجية لا علاقة لها بأي شكل من أشكال بالقدرة الذاتية على تعميق الإحساس بالوجود في بعده غير المادي.. وأعني بوسائل الدعم الخارجية هذه، اللجوء إلى تعاطي المخدرات.
اللجوء إلى المخدرات وما يصاحب ذلك من ارتياد لعلب الليل المنتشرة في الغرب، والتي تطغى الموسيقى الصاخبة والرقص الهستيري على أجوائها، هو أحد المظاهر المُعبّرة عن سعي الإنسان لتلبية احتياجاته غير المادية. المشكلة في هذا الأسلوب الذي يظل قادرًا على إشباع الحاجات الروحية بشكل سطحي ومن خلال تلبية الرغبة الإنسانية في الانفصال عن الواقع من حين لآخر، أنه يتناقض كليًّا مع حالة الطمأنينة والسمو الوجداني التي تصاحب حالات التحقق الروحي، سواءً على مستوى ممارسة الشعائر الدينية، أو على مستوى التأمل الناتج عن حالات التفاعل مع ينابيع الجمال.
وإذا ما أضفنا إلى عدم مساعدة هذه الوسائل على تحقيق الشعور بالطمأنينة والسمو الوجداني، مجموعة الأعراض المرضية المدمرة التي تصاحب عملية تعاطي المخدرات، فإننا سنقف على حجم التدمير النفسي والروحي والجسدي الذي بات يتعرض له الإنسان المعاصر بسبب حالة الخواء الروحي التي يعيش في ظلها.
المسألة ليست مجرد مسألة قناعات عقلية تستخدم نفس أدوات الإيمان، لتثبت النفي في محاولة عجيبة لاختراع إيمان سلبي يروج للنفي بدلا من الإثبات.. المسألة تتجاوز هذا التناقض المنهجي، لتصل إلى تكريس إرادة الانتحار عبر التهافت على تعاطي ما أثبت العلم، أنه يؤدّي إلى تدمير خلايا المخ والأعصاب.
الإلحاد هو أبلغ تعبير عمّا يمكن أن نطلق عليه: إرادة الانتحار.