المشهد العظيم للحج
تاريخ النشر: 17 أكتوبر 2013 01:38 KSA
في كل عام يفد الحجيج من كل أركان المعمورة إلى بلاد الحرمين لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام، الذي لا يتحقق إلا بزيارة بيت الله الحرام، والطواف بالبيت العتيق، والسعي بين الصفا والمروة، وأداء مناسك العمرة إن كان متمتعًا أو مقرنًا، والوقوف بعرفة في اليوم التاسع من ذي الحجة والمشاعر المعظمة في مزدلفة ومنى، ورمي الجمرات، وذبح الهدي والطواف والسعي، وزيارة مرقد الرسول عليه الصلاة والسلام.
أركان الإسلام الأربعة الأخرى يمكن تحقيقها في أي مكان، حتى في الفضاء الخارجي؛ إلا الحج فله مواقيت وأماكن مُحدَّدة لا يتم الحج بدونها، ولهذا ورد في النص الشرط الصريح «لمن استطاع إليه سبيلا».. لضمان عدم تكليف المسلم فوق طاقته.
وعظمة المشهد تتمثل في كثرة الحجاج، وارتداء الإحرام الموحد في الشكل واللون، والالتزام بشروط وواجبات المواقيت في خشوع وهدوء وسكينة، متوجِّهين للمولى عز وجل، ومتوسلين الرحمة والغفران من لدن الخالق سبحانه وتعالى.. برفقٍ وتعاون وتراحم، والكل يُناجي ربّه ويُردِّد: «لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك» في خشوعٍ وجلال.
والجانب الآخر من عظمة المشهد تتمثّل في إدارة الحشود.. وتنظيم انسياب الحركة البشرية والمرورية.. ليتمكّن الحجاج من أداء مناسكهم بالكامل، وهم آمنون مطمئنون، وبأقل قدر من العناء والكلفة ليتمّوا الفريضة، ويعودوا إلى أوطانهم وأهليهم سالمين غانمين، بفضل من الله سبحانه وتعالى.
ومن أهم مسؤوليات رعاية الحجيج، توفير المسكن والمعاش، ووسائل الاتصالات والمواصلات، من بداية الرحلة حتى النهاية، في جوٍ من الاطمئنان والراحة، خلال إقامتهم في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
الرعاية الصحية خلال الموسم تتطلب جهدًا كبيرًا، وتكاليف عالية، وتنظيم دقيق، للاستجابة لكل الحالات المرضية، ومحاصرة انتشار الأوبئة والأمراض المعدية، ومعالجة كل الحالات التي تصل إلى المراكز الطبية المعدة لخدمات الحجاج بأعلى مستوى، وأسرع استجابة للطوارئ.
والعنصر الأمني الذي يكون عامل مشترك مع كل الأنشطة الأخرى من البداية حتى النهاية؛ لضمان سلامة عمليات الحج واستقرار ظروف الإقامة بشكل آمن وسليم، هذه المهمة يزداد تعاظم مسؤولياتها مع ارتفاع الأعداد في كل عام.. وارتفاع درجات الحيطة لضمان عدم تسلل عناصر مغرضة بين صفوف الحجاج، وتعكير جو الحج، وتسجيل مواقف بعيدة عن أهداف الحج وقداسته. والدولة -حفظها الله- تحشد لها في كل عام كل ما يتطلب إنجاح المهمة من قوى بشرية ومعدات، وأجهزة رصد ومراقبة، بمهنية عالية وإتقان محكم.
إن الكتابة عن عظمة مشهد حشود الحجاج في كل عام تثير الشجون، والشعور بالفخر والاعتزاز والغبطة والفرح، والشكر لله العلي العظيم الذي اختص بلادنا وأهلها ليكونوا في خدمة ضيوف الرحمن في كل عام، وسخّر لنا وسائل الاستعداد والأداء المتميز، ونرجو أن لا نُحرم من الأجر من عند الله.
وفي أوج بهجة الفرح والاستعداد للقيام بالواجب المناط بكل فرد من أبناء الوطن بمهام لها علاقة بالحج، علينا أن نتذكَّر أن العالم بأسره ينظر إلينا ونحن في خدمة ضيوف الرحمن ونداء الواجب الديني-الوطني، ولذلك فإن المسؤولية تقع على كاهل كل مواطن، القريب والبعيد.. الكبير والصغير.. المسؤول وغير المسؤول. ولا يفوتنا أن ندرك بأن الحجيج يروا ما تم إنجازه، وما هو تحت التنفيذ، من مشروعات عظيمة لتوسعة الحرمين الشريفين وتطوير المرافق، وتحسين سبل توفير الخدمات برعاية خاصة من قِبَل خادم الحرمين الشريفين -متعه الله بالصحة والعافية- ومتابعة حثيثة من أمير منطقة مكة المكرمة خالد الفيصل الذي أطلق مبادرته الشهيرة «لا حج بدون تصريح للمواطن والمقيم».. والشكر موصول لكل من له علاقة مباشرة بتلك المشروعات العملاقة، وخدمة حجاج بيت الله الحرام.. وكل عام والجميع بخير.
Salfarha2@gmail.com