الأقنعة عندما تُخفي شيئاً ما !!
تاريخ النشر: 03 نوفمبر 2013 02:25 KSA
مثلَّت ولا زالت الأقنعة التي تُخفي الانفصام في الممارسات السلوكية للكثير من أفراد المجتمع مُعضلة كبيرة في التعاطي الإيجابي جراء انتهاك متعاطيها للقيم في الخفاء وتمثلُها في العلن ، على الرغم من أن مثل هذا الفعل الاستثنائي في مدلوله السلبي يُعد في مجتمع محافظ كمجتمعنا خطاً أحمر تقف عنده الممارسات السلوكية الخاطئة موقف الممانعة ، ولا يُمكن لممارسيه تجاوزها لاعتبارات أخلاقية ذاتية ولمعايير ضبط اجتماعية خارجية ، مما صعَّب على المؤسسات التربوية والاجتماعية دورها تجاه معالجة هذا الداء المُستفحل في بُنية المجتمع نظير ازدواجية المعايير ، فالتعامل مع الواضح لا يتطلب جهداً لا يؤمن جانبه ، بينما تكمن خطورته في بويهمية الطرف الآخر ؛ فالمُجتمع عندما كان يحكمه سُلَّم قِيمي وفق آلية متزنة تحفظ للجميع حقوقهم ، ويرسم خطاً واضحاً لتعاملاتهم الحياتية ، ويعمل كموجّه لسلوك الأفراد وإطار مرجعي يحكم تصرفاتهم لم يكن في حاجة للولوج في متاهات الإجابة على الكثير من التساؤلات التي أضحت تتنامى جراء اختلال هذا السُّلم ، والبحث عن دوافع انعكاساته السلبية.
إن الأقنعة التي تحكم واقعنا للأسف لا تمت عضوياً للقيم بأية صلة - كوسيلة ضبط للمُجتمع - الأمر الذي أحال المُجتمع إلى نوع من الفوضى غير المعهودة ، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار عدم وجود الكيفية السليمة لمعالجتها ؛ إما لحداثتها الزمنية أو لتعنت مُرتكبيها غير المنطقي ، مما أدى إلى ذوبان أفراده في أتون التقنُّع - شكلاً ومضموناً - متناسين في الوقت ذاته أن التوازن مطلب حتمي ، وأن الحفاظ على الأسس التي يقوم عليها أي مجتمع في إطار مرجعياته الشرعية ، وسُلَّمه القيمي ، وعاداته وتقاليده الإيجابية المتوارثة هي التي تُشكِّل مكانته وتمنحه الهيبة ، وتضمن له شخصيته وكينونته المستقلة متى ما كان هناك ثمة مقارنة أو حضور يُشار للمجتمع وأفراده من خلاله ، ويُقيِّم بناءً عليه .
لقد أدت هذه الأقنعة إلى بروز أنماط سلوكية قوَّضت الكثير من الثوابت المُتغلغلة في الذهنية الجمعية ، وجعلتها رسوماً نتغنى بممارستها وهي واقعاً أبعد ما تكون عنا ، وإن تجاوزنا فلا تعدو أن تكون قولاً لا فعلاً ، ولكم أن تتخيلوا الأستاذ مع طلابه في قاعة العلم يدَّعي العلم وهو يقوم بانتهاك حُرمة العلم عن طريق استخدام سُلطته الممنوحة له نظاماً ويجعل من هذه القاعة مسرحاً للاستعراض الشخصي ، وترتيلاً للمغامرات الذاتية في تغييب لأبسط قواعد الإحساس بالضمير والأمانة العلمية ، ولكم – أيضاً – تخيُّل تلاشي قيمة العمل - على اعتبار أن العمل محور رئيس لاهتمام الفرد - فإن ما يُمَارس تجاهها يُعد من أعتى الأساليب ابتذالاً ، وبُعداً عن أبجديات احترام الذات أولاً وحقوق الآخرين ثانياً ، فالمُلاحَظُ في التعاملات اليومية في بيئات العمل يعكس انتهاكاً صارخاً للخدمة التي يقدمها الموظف للفئة المُستهدفة ، فبدلاً من كونها واجباً يُحتِّمه الالتزام الديني والمهني نجد أن العكس هو المُسيطر على تفكير المُسند لهم الخدمة ، فكأنهم يمنون على الآخرين بما يُقدمونه لهم ، ولكم أخيراً تخيُّل تدني قيمة الاحترام بين الناس فالصغير لا يوقِّر الكبير ، والمرؤوس لا يبادل رئيسه الاحترام والعكس واقع ؛ مما أحدث توتراً سلبياً غير مُبرر في خط سير العلاقة بينهما ؛ والذي - حتماً - سيؤدي إلى تراجع في الإنتاجية المنشودة وتعاظم في شيوع الصراع بمدلوله السلبي.
إن أزمة الأقنعة المتنامية والتي أضحت ظاهرة لا يُمكن التغاضي عنها إو إغفال أثرها السلبي لحريٌ بالمؤسسات العلمية والبحثية ذات العلاقة إخضاعها للبحث المُستفيض للوقوف على دوافعها ومعرفة مُسبباتها رغبة في إيجاد مُخرج لإزالتها من على الوجوه الكالحة وتعريتها بهدف إنقاذ المجتمع من هذه الفئة التي استمرأت نخر تركيبة مُجتمعها دون رادع شرعي أو نظامي أو حتى خُلقي .
Zaer21@gmail.com