نزاهة

نزاهة
عندما تأسست الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد « نزاهة « استبشرنا خيراً لاعتقادنا بأنها ستكون صمام أمان للحد من الفساد الإداري المُستشري في بعض أجهزتنا ومؤسساتنا الحكومية ، وبدأت مرحلة التأسيس لهذا المولود الجديد الذي توجس منه المُتنفِّذون بدرجة فاقت فرحة المتأثرين ، وهذا شعور طبيعي لكل من كان يصول ويجول دون حسيب أو رقيب سواءً أكان ذلك الرقيب ذاتياً أم خارجياً ، ولكن – كما هي عادة – مراحل التأسيس التي يشوبها ما يشوبها من قلة التجهيزات وتدني مستوى الكوادر البشرية العاملة في هذا المجال على اعتبار أنها تجربة جديدة لم تعهدها مؤسساتنا الرقابية ، الأمر الذي جعل الكثير من المؤملين فيها ينعتونها بأوصاف لا تتفق مع أبجديات أي مُنظمة لا زالت في مرحلة التكوين ، بل ووصلت التهمة إلى الحكم عليها بالفشل الذريع في تلبية طموحات المُستهلكين والمُستهدفين بالخدمة من قبل الأجهزة الحكومية. لستُ في هذا المقام مدافعاً عن مستوى أداء « نزاهة « لعدم وجود مصلحة مُتبادلة بيني وبينها ، بقدر ما يدفعني إلى ذلك لغة المنطق التي يتوجب أن تكون هي السائدة عندما يكون الحوار حول المصلحة العامة بعيداً كل البعد عن تقاذف التهم والانتقاص من الأدوار الموكلة لكل جهة ، كما قادني للحديث عن نزاهة اطلاعي على تقرير « نزاهة « الأخير والذي أثبت أن المشروعات الحكومية المُتعثرة تُكلف الدولة نحو 40 ملياراً سنوياً ؛ في الوقت الذي لا تجد تعثراً في مشروعات القطاع الخاص أو الهيئة الملكية للجبيل وينبع وشركة أرامكو ، والمُلفت للنظر بل والمؤلم أن من ينفذ هذه المشاريع في هذه الجهات هم المقاولون الذين ينفذونها في الأجهزة الحكومية ، مما يُعطي مؤشراً يؤكد على أن الخلل لا يكمن في المقاولين المنفذين للمشاريع بقدر ما يعود إلى المتابعة الدقيقة والموضوعية من الجهات غير الحكومية ، ويُقابلها في الجانب الحكومي تهاون وإن شئتم قولوا تخاذل من الأجهزة الرقابية الحكومية في متابعة تنفيذ مشروعات الدولة ، والمُؤسف أنه في حال الانتهاء منها فستكون جودتها في أقل درجاتها . ولعل من أبرز الإشكالات التي تواجهها الهيئة على حد تعبير رئيسها محمد الشريف في تحقيق نشرته صحيفة المدينة في عددها رقم ( 18471 ) وتاريخ 14/1/1435هـ تمثل في عدم تجاوب الوزارات والمؤسسات مع « نزاهة « نتيجة وقوفها - أي نزاهة - على وجود فساد داخل هذه الأجهزة مما يؤدي إلى عدم تجاوبها ، وهذا الرفض يعني الإقرار الصريح من قبل الجهة بتقصيرها في أداء عملها والوفاء بالتزاماتها تجاه المجتمع المُستهدف من خدماتها ، وهنا تكمن قوة « نزاهة « من عدمها ؛ فإن كان دورها تشخيصي فقط فالمؤكد أن هذا الدور قاصرٌ على تحقيق الأهداف المنشودة ، وإن كان دورها يتجاوز ذلك فالتطبيق الفوري لأقصى العقوبات هو المفترض أن يكون تجاه هذه الجهات المُتخاذلة ليس في أدائها لعملها ، بل في الرد على استفسارات لجهة حكومية ذات صفة اعتبارية متعلقة بضعف في الأداء الداخلي لهذه الجهة . إن قوة « نزاهة « تنطلق من قدرتها على إصدار العقوبات والتشهير دون هوادة بكل من يتهاون في أدائه لعمله سواءً أكانت جهة أم فرداً ، وضعف أثرها في مكافحة الفساد يعكس عجزها ليس في القضاء على هذا الفساد – وهذا هو المؤمل – ولكن حتى في التخفيف منه ؛ مما يعني أنها ستفقد دورها كجهة رقابية ممنوحة كافة الصلاحيات من القيادة السياسية ، عندها سنقول بصوت واحد 'لا نزاهة يا نزاهة' .

أخبار ذات صلة

عقيقة الكامخ في يوم العربيَّة
قُول المغربيَّة بعشرةٍ..!!
في رحاب اليوم العالمي للغة العربية
متحف للمهندس
;
وقت الضيافة من حق الضيوف!!
السرد بالتزييف.. باطل
عنف الأمثال وقناع الجَمال: قلق النقد ويقظة الناقد
مزايا مترو الرياض
;
الرقص والنقص.. مرة أخرى!!
تكريم سمو الأمير خالد الفيصل
سوريا.. هل استوعبت الدرس؟
خمسة اعتقادات خاطئة عن السعوديين في بيئات العمل!
;
ترتيب الأولويات الدولية لدبلوماسيتنا الناعمة
العبقرية.. ليست بالفطرة أو الوراثة
قبل أن ينتهي عام 2024
تحديات وصعوبات