غابة رغدان.. درة غابات الجنوب
تجمع غابة رغدان بالباحة بين سحر الطبيعة وجمالها وروعة إطلالتها على سهول تهامة على ارتفاع يتجاوز 1700 متر عن سطح البحر تتوشح غاباتها المتشابكة الأغصان بأشجار العرعر ومظلاتها وروابيها الوادعة وكثافة الضباب، الذي يتسلق قمم جبال السروات وامتزاجه برذاذ المطر ليتناغم مع الوان الطبيعة الساحرة. ويغطي أشجار العرعر النادر أكثر من 90% من مساحات الغابة، والتي تشهد إقبالا كبيرا من الزوار وقاصدي السياحة طوال العام لإطلالتها على الشريط المطل على سهول تهامة وعقبة الملك فهد بالباحة. وتعد غابة رغدان من أشهرالمنتزهات والغابات وأجملها، وتبعد عن وسط مدينة الباحة نحو 5 كم شمالا. يقول الكاتب والقاص جمعان بن علي الكرت- من أهالي قرية رغدان- إن اسم «رغدان» جاء من رغد العيش على صيغة «فعلان»، وهي محاذية لوادي قوب الشهير، حيث أنشئت على ضفافه وفي سفوح الجبال مساطب لزراعة أنواع الفواكه المختلفة والحبوب كالقمح والذرة وغيرهما. وبحسب الكتب التاريخية لعبت «رغدان» دورا حيويا في الأحداث السياسية الأخيرة التي مرت بها المنطقة الجنوبية قبل العهد السعودي، حيث نزل بها الشريف منصور في عام 1237هـ، وبعد قرابة خمس سنوات حل محله إبراهيم أغا، وتتابعت الأحداث لتتعرض كامل المنطقة في عام 1261هـ لسيطرة آل عائض الذين اختاروا رغدان مقرا لهم، ليتم بعد عقدين من الزمن عقد صلح بين محمد بن عائض والشريف عبدالله ليتخذ الحسين بن منصور رغدان مقرا له. وفي عام 1321هـ وقعت الحرب الفاصلة بين الأتراك من جهة بقيادة أحمد باشا وقبيلتي غامد وزهران، لتكون نهاية الوجود التركي، حيث قُتل القائد التركي بسوق رغدان، وفي عام 1328هـ امتد نفوذ الأدارسة للمنطقة ليتخذ الإدريسي من رغدان مقرا له، واستمر الحال لفترة قصيرة ليأتي الحكم السعودي في عام 1343هـ، وتصبح منطقة الباحة ضمن إطار المملكة، التي أخذت على عاتقها ملحمة التطوير لكافة المناطق السعودية، ومن هذا التاريخ نلحظ أن رغدان كانت محورا رئيسا في تلك الأحداث التي مرت بها المنطقة قبل قرنين من الزمن، ويعود ذلك لكونها من أكبر قرى المنطقة. السوق الشعبي وكانت رغدان تشتهر بسوق شعبي قديم يعقد يوم الأحد من كل اسبوع، يقول الكرت: يفد إلى رغدان مئات المتبضعين من مختلف قرى المنطقة والمناطق القريبة، حيث كانت تنقل بضائع التجار التي كانت تأتي عن طريق ميناء القنفذة بعد مرورها على سوق المخواة طريق عقبة رغدان الذي كان يربط القطاعين السروي بالتهامي عبر جبال شديدة الانحدار، مشيرا إلى أن سوق الأحد هو أحد أهم الروافد الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لرغدان، واستمر ردحا من الزمن إلى أن انطفأ في عام 1390هـ، حيث كان يرتاده المتبضعون من كل أرجاء المنطقة وأيضا من المناطق المجاورة للبيع والشراء كالحبوب واللوز والتمور والمواشي والبن وغيرها وإلى جانب وظيفته الاقتصادية كان يقوم بوظيفتين ثقافية وإعلامية، حيث يعتلي باحة السوق عدد من الدعاة لحث الناس على الخير وتنبيههم من الشر اقتداء بهدي النبوة، إلى جانب العلامة وبدوة البيضاء، مضيفا أن الهيئة العامة للسياحة والآثار تعتزم إعادة السوق ليكون مزارا سياحيا وتراثيا وثقافيا بتهذيب السوق وتأهيل حوانيته وترميم ما تهدم منه وتشجيع أصحاب الحرف لصناعاتهم التقليدية. وهي خطوة تُحسب للهيئة لو تمكنت من تحقيق ذلك، سيما أن السوق قريب من غابة رغدان التي تُعد أحد أشهر المواقع السياحية الجاذبة في منطقة الباحة. وقال محمد حمدان الغامدي: إن سوق رغدان التاريخي يقع في المنتصف الجغرافي بين غامد وزهران من أكبر اسواق المنطقة الشعبية سابقا، ويسمى «أحد رغدان»، ويأتيه الناس من أماكن بعيدة بمنتجاتهم الزراعية المتنوعة كالخوخ والرمان بمزراع بيده، والتمر والبلح القادم من تجار بيشة، والعنب من بلاد زهران، وكثير من المنتوجات الزراعية والحيوانية التي تجلب من قرى غامد وزهران، إضافة الى البضائع الأخرى كالخوص والمواد الأخرى، ومن هذه البضائع ماهو دائم العرض في دكاكين تفتح وتغلق طيلة أيام الأسبوع يملكها أصحاب القرية ومنها ما يعرض يوم الأحد فقط وهي التي تأتي من خارج القرية وتعرض في الهواء الطلق. وقال الكرت: تقع غابة رغدان في الناحية الغربية من القرية، وتشرف بإطلالات بديعة على المنحدر التهامي، وتفترش مساحة تقارب 600 الف متر مربع، وسجلت إحدى الدراسات أن منتزه رغدان يستأثر بما يزيد عن 90% من زوار ومصطافي الباحة، وهذا يدلل على أهمية الغابة سواء من حيث الكثافة الشجرية من شجر العرعر والطلع او المناخ الآسر والمناظر الخلابة، فضلا عما قامت الجهات المعنية بتحسينات جمالية لمنتزه رغدان شملت توفير جلسات للمتنزهين وعمل المظلات والمسطحات الخضراء والألعاب الترفيهية والمسرحية للأسر والاطفال، إضافة الى تكسية حجرية تتخللها أحواض زهور وإنارة تجميلية وممر للمشاة داخل المنتزه، ونافورة بوسطه، وإعادة بناء جميع المدرجات الزراعية داخله، وأرصفة وممرات من البلاط الملون، وعمل دورات مياه بمواقع مختلفة من الغابة، كما تم تقسيم الغابة إلى قسمين الأول خاص للعوائل والآخر خاص للعزاب والرجال، وتم دعمها بنقطة للدوريات الأمنية والشرطة والمرور وفرقة للدفاع المدني وحمايته بسياجات. أشجار العرعر النادر تشتهر غابة رغدان بكثرة أشجار العرعر الطبيعية النادرة والمعمرة دائمة الخضرة، وهي تنمو في المناطق الباردة، ويوجد منها ذكر وأنثى وتعمر مئات السنين، وهي من الأشجار الجذابة الظليلة وذات رائحة منعشة لما تحويه من كمية وفيرة من الزيوت الطيارة، كما أن للعرعر رائحة جميلة عند حرقه وله استعمالات عديدة، حيث يستعمل على نطاق واسع، فيستخدم في المناطق التي ينمو فيها لتحضير القطران الأسود وزيت القطران، وكان يستعمل زيت القطران في طلاء الابواب والنوافذ وسقوف المنازل وخشب العرعر ثقيل وجيد تتعدد استعمالاته، وينتخب الجيد من الاعواد للاستعمال في البناء والنجارة، وكانت توضع جذوعه أسقفا للمنازل المبنية من الحجر وتعرف في مجتمع الباحة بالبطن، ثم يوضع من فوقه الجريد والطين. كما أن لأشجار العرعر وأرواقه وحباته استخدامات طبية عديدة، فهو مفيد لأوجاع الصدر والغازات المعوية والسعال. متحف الباحة الإقليمي وقد شرعت هيئة السياحة والآثار في تنفيذ مبنى جديد لمتحف الباحة الإقليمي والذي يقع بالقرب من متنزه رغدان بمدينة الباحة، وهو واحد من ستة متاحف يتم إنشاؤها في عدة مناطق سيتم العمل بها بشكل تفاعلي، حيث ستكون مراكز ثقافية ومحاور للتاريخ الوطني وليست للعرض فقط، ويهدف المشروع إلى عرض التراث المادي للمنطقة وإنشاء مركز ثقافي وعلمي يعتني بالتراث والآثار والعادات والتقاليد، وإقامة أنشطة ثقافية وعلمية، وجمع وحفظ القطع الأثرية والعناصر المعمارية القديمة، ومعالجة ترميم الآثار بطريقة فنية، كما يشتمل المبنى على عدد من القاعات التراثية المختلفة. وتضم منطقة الباحة غابات أخرى غير رغدان، منها غابة شهبة داخل مدينة الباحة، حيث جرى توصيل الخدمات الأساسية بها للمصطافين والزائرين. وتشتمل على أشهر المتنزهات بالمنطقة، وهو متنزه الشكران ببلجرشي، الذي يبعد عن المدينة نحو 20 كيلومترا، وقامت بلدية بلجرشي مؤخرا بمد شوارع جديدة داخله.