القرارُ الملكيُّ.. والأصواتُ المحرِّضةُ

القرارُ الملكيُّ.. والأصواتُ المحرِّضةُ

يأتِي الأمرُ الملكيُّ الأخيرُ الذي أصدرَهُ خادمُ الحرمين الشَّريفين -حفظه اللهُ- في 3-4-1435هـ المتضمّنُ بعضَ العقوباتِ بحقِّ كلِّ مَن يشارك في أعمالٍ قتاليَّةٍ خارجَ المملكةِ، بأيِّ صورةٍ كانتْ، أو الانتماءِ للتَّياراتِ أو الجماعاتِ الدِّينيَّةِ أو الفكريَّةِ المتطرِّفةِ، أو المصنَّفةِ كمنظماتٍ إرهابيَّةٍ داخليًّا أو إقليميًّا أو دوليًّا، أو تأييدهَا أو تبنِّي فكرهَا أو منهجهَا بأيِّ صورةٍ كانتْ، أو الإفصاحِ عن التَّعاطفِ معهَا بأيِّ وسيلةٍ كانتْ، أو تقديمِ أيٍّ من أشكالِ الدَّعمِ الماديِّ أو المعنويِّ لهَا، أو التَّحريضِ على شيءٍ من ذلكَ، أو التَّشجيعِ عليهِ، أو التَّرويجِ لهُ بالقولِ، أو الكتابةِ بأيِّ طريقةٍ. ولا شكَّ أنَّ القرارَ يأتِي عطفًا على الكثيرِ من الأحداثِ المتلاحقةِ التي يموجُ بهَا الواقعُ العالميُّ، وتحسسًّا لمآلاتِ بعضِ الأصواتِ المحرِّضةِ لتبنِّي مشروعاتٍ حركيَّةٍ تمسُّ أمنَ الوطنِ وكيانَهُ؛ لأنَّ وقائعَ التّأريخَِ وأحداثَهُ المتلاحقة تؤكِّدُ -بمَا لا شكَّ فيهِ- أنَّ هذَا الصَّوتَ المحرِّضَ مدعاةٌ إلى الفَهْمِ السَّقيمِ للكثيرِ من مسائلِ الحياةِ؛ فضلاً عن مسائلِ الشَّرعِ، فمَا بالنُا إذَا كانَ ذلكَ الصَّوتُ المحرِّضُ هُو في أساسِهِ صوتٌ منحرفٌ، يسعَى لاستباحةِ ما حرَّمَ اللهُ، ويقودُ إلى تدميرِ ما اكتسبَهُ النَّاسُ من حصيلةِ الفكرِ أو الإعمارِ؛ لأنّه كلَّما ازدادَ الانحرافُ الفكريُّ في مسائلِ الدِّينِ ومقاصدِهِ وأحكامِهِ وغاياتِهِ، كانَ ذلكَ أدْعَى إلى تفاقمِ الضَّررِ، واستشراءِ الخطرِ، وتفاقمِ العللِ، وتداعِي الموبقاتِ؛ لأنَّ بؤرهَ تتكاثرُ، وأمراضَهُ عدوَى؛ تتلاحقُ، فتتلاقحُ سلفًا عن خلفٍ. ثمَّةَ كثيرٌ من المفاهيمِ المغلوطةِ يتبناهَا هذَا الصَّوتُ الدَّاخليُّ المحرِّضُ، بانيًا عليهَا الكثيرَ من أهدافِهِ ومقاصدِهِ؛ ولكنَّهَا في النَّهايةِ شواظٌ لاذعٌ لذلكَ الفهمِ الخاطئِ الموصلِ إلى النَّتيجةِ الحتميَّةِ بما تحملُهُ من سوءٍ وقبحٍ. وثمَّة الكثيرُ من الجماعاتِ والفرقِ على امتدادِ تأريخِنَا العربيِّ والإسلاميِّ تتبنَّى الكثيرَ من المفاهيمِ الخاطئةِ، والأفكارِ المغلوطةِ، وترسمُ عليهَا، ومن خلالِهَا ملامحَ مشوَّهةً تطرحُهَا على صورةِ فكرةٍ قد تعيشُ وتقبلُ التَّطبيقَ، أو تطرحهَا على هيئةِ فعلٍ يستحيلُ إلى ممارسةٍ مقيتةٍ، وما تلكَ المفاهيمُ المشوَّشةُ التي تُطرحُ في زمننَا هذا على صورةِ خطابٍ، أو كتابٍ، أو منشورٍ هي في الجملةِ تُسهمُ في تشويشِ الفهمِ عندَ قبيلٍ من المسلمِينَ أفرادًا كانُوا أو جماعاتٍ، حينئذٍ يقعُ المحظورُ، ويستشرِي الدَّاءُ، ويتَّسعُ الفتقُ على الراتقِ. ولعلَّ الكثيرَ من الأحداثِ التي أضرَّتْ بالأمَّةِ الإسلاميَّةِ أشدَّ الضَّررِ، وأصابتهَا بداءٍ يصعبُ معهُ العلاجَ، مَا هِي إلاَّ محصلةٌ نهائيِّةٌ لكلِّ تلكَ المفاهيمِ المغلوطةِ المصحوبةِ بالغفلةِ والجهلِ؛ فاستحالَ الدَّاءُ إلى مرضٍ عضالٍ، ومن ثمَّ استغلقَ عن العلاجِ. لقدْ حاولَ التَّأريخُ من خلالِ مُصْلحيهِ علَى امتدادِهِ الطَّويلِ الإفلاتَ من هؤلاءِ؛ ولكنَّهُ لم يفلحْ..!! فكلَّما أصلحَ المصلحُونَ، تصحيحٌ مَا وقعَ فيه أمثالِ هؤلاءِ جاءَ مَن حرَّك الجمْرَ، وأزادَ لهيبَ النَّارِ، فأحرقتِ الكثيرَ من بنيان الإصلاحِ، وألهبتْ ما بقِي من ثمارِهِ. لقدْ زعمَ الكثيرُ في زمنِ (الغفلةِ) أنَّهم من العلماءِ؛ يفتُونَ في كلِّ شاردةٍ وواردةٍ. إنَّ الأمرَ الملكيَّ يهدفُ إلى الحفاظِ علَى هذا الكيانِ الكبيرِ، بعيدًا عن تلكَ الأصواتِ المحرِّضةِ تارةً بالتَّصريحِ وتاراتٍ بالتَّلميحِ لجرِّ العبادِ والبلادِ إلى مهلكةٍ كُبرَى لا تبقِي ولا تذرْ، كمَا نرَى نارَهَا مستعرةً في كلِّ مكانٍ من حولنَا..!! وإنَّ الأمرَ الملكيَّ -كمَا أشارَ- يأتِي انطلاقًا من الواجبِ نحوَ سدِّ الذَّرائعِ المفضيةِ لاستهدافِ المنهجِ الشَّرعيِّ، وتآلفِ القلوبِ عليهِ من قِبل المناهجِ الوافدةِ، التِي تتخطَّى ضوابطَ الحريَّةِ في التَّبني المجرَّدِ للأفكارِ والاجتهاداتِ إلى ممارساتٍ عمليَّةٍ تخلُّ بالنَّظامِ، وتستهدفُ الأمنَ، والاستقرارَ، والطّمأنينةَ، والسَّكينةَ العامَّةَ، وتلحقُ الضَّررَ بمكانةِ المملكةِ، عربيًّا وإسلاميًّا ودوليًّا، وعلاقاتِهَا مع الدولِ الأخرَى بمَا في ذلكَ التَّعرضُ بالإساءةِ إليهَا ورموزِهَا.