«مشيخةٌ» محرِّضُونَ
'لقدْ دارَ بينِي وبينَ هذَا الموقوفِ حديثٌ طويلٌ حولَ الأسبابِ التِي وقفتْ خلفَ تفكيرِهِ في الإقدامِ علَى هذِه الخطوةِ، وأكَّدَ لِي أنَّ التَّحريضَ الذِي وجدَهُ من 3 مشايخ ليسُوا من المؤسَّسةِ الدِّينيَّةِ الرَّسميَّةِ ولا محسوبِينَ عليهَا، كانَ سببًا رئيسًا في ذلكَ'. هذَا مَا قالَ بهِ عضو مجلسِ الشُّورَى الدكتور عيسى الغيث، حينمَا التقَى بأحدِ الموقوفِينَ الذِينَ كانُوا يعتزِمُونَ الذِّهابَ للقتالِ في سوريَا، خلالَ زيارةٍ قامَ بهَا وفدٌ من المجلسِ إلى سجنِ الحايرِ الأسبوع الماضِي. إنَّّ بيتَ القصيدِ في تلكَ الأسطرِ القليلةِ يخبِّئُ وراءَهُ الكثيرَ من السُّوءِ الذِي يُقْدِمُ عليهِ بعضُ الموصوفِينَ بـ(المشيخةِ) والغيرةِ علَى دينِ اللهِ، حتَّى أصبحَ الدِّينُ مطيَّةً لهمْ فمِن خلالِهِ ينثرُونَ أفكارَهُم التَّحريضيَّةَ وعلَى بساطهِ يستترُونَ بلباسِهِ. إنَّ أبوابَ التَّحريضِ عديدةٌ منهَا الظَّاهرُ ومنهَا الباطنُ، حتَّى أصبحَ شبابُنَا الغضُّ أداةً مطواعةً بينَ يدَي مجموعةٍ من المحسوبِينَ علَى العلماءِ والدُّعاةِ، بفضلِ مجموعةٍ من العواملِ ساعدتْ علَى ظهورِهم والسُّكوتِ عليهِم. فمَن كانَ يظنُّ أنَّ التَّحريضَ مقصورًا على خطبةٍ عصماءَ -كمَا فعلَ أحدُهم- تدعُو للخروجِ لمواطنِ الصِّراعِ، أو إثارةِ الفتنةِ والبلبةِ، فهُو قاصرُ النَّظرِ، مرتبكُ الفكرِ؛ لأنَّ الشَّحنَ العاطفيَّ والتَّحريضَ المبطَّنِ أشدُّ أثرًا وأنكَى ضراوةً على الشَّبابِ مهمَا كانَ مصدرهُ وكنههُ. لقدْ أصبحَتِ الوسائلُ متاحةً بشكلٍ أو بآخرَ، ومِن المؤسفِ حقّاً أنْ تجدَ حضورًا لافتًا للمتردِّيةِ والنَّطيحةِ وهي تحاولُ أنْ تعصفَ برشدِ الشَّبابِ؛ سعيًا لجرِّهِم إلى أتونِ الصِّراعِ ومواطنِ القتالِ باسمِ الدِّينِ ونصرةِ المظلومِ. وهِي في الأساسِ إسقاطاتٌ تبدُو في ظاهِرِهَا متَّسمةً بلغةِ الغيرةِ علَى دينِ اللهِ؛ ولكنَّهَا متخفيَّةً مستترةً بأقنعةِ الخبْثِ والفتنةِ مَا قدْ ينتجُ عنهَا الكثيرُ من عواقبِ الاندفاعِ وشرَّهِ المستطيرِ الذِي يهلكُ الحرثَ ويبيدُ النّسلََ!! ولهذَا كانتِ الأوامرُ الملكيَّةُ الأخيرةُ في هذَا البابِ مدعاةً إلى سدِّ كلِّ منافذِ الغوايةِ، وأساليبِ التَّحريضِ أيّاً كانَ مصدرهَا؛ فلا صوتَ يعلُو فوقَ صوتِ الحقِّ، بعدَ أنْ تكاثرتِ الأصواتُ المحرِّضةُ لجرِّ العبادِ والبلادِ إلى مَا لا يُحْمدُ عقباهُ. وإنَّني لأعجبُ أشدّ العجبِ أنْ تمرَّ الأوامرُ الملكيَّةُ علَى خطباءِ المساجدِ دونَ الإشارةِ إليهَا، وبيانِ أهميَّتهَا وتوعيةِ النَّاسِ بمآلاتِهَا الخيِّرةِ سعيًا نحوَ سدِّ أبوابٍ كبيرةٍ للغوايةِ والمفسدةِ. ومِن اللَّافتِ أنَّ خطباءَ الجُمعِ عندنَا يتحدَّثُونَ عنْ كلِّ شاردةٍ وواردةٍ في أنحاءِ المعمورةِ حتَّى خلطُوا بينَ أسبابِ الموعظةِ الحسنةِ وبينَ السِّياسةِ وإسقاطاتِهَا؛ فسرقُوا زادَ المؤمنينَ الأسبوعيّ دونَ أنْ يكونَ لهذَا الوطنِ المباركِ حضورَهُ، متناسِينَ أنَّ لهُ -بشبابِهِ ومكتسباتِهِ ومكانتِهِ- حقًّا من القولِ حينَ تنتظمُ فيهِ الملامحُ والمشاعرُ والأنسابُ، وتَأتلفُ فيهَا الرُّؤوسُ مع الأطرافِ كلّ في مكانِهِ الذِي لا يعدُوه إلى غيرِهِ. أَمَا كانَ أجدرَ بخطباءِ المساجدِ أنْ يبيِّنُوا للمجتمعِ أنَّ هذَا الكيانَ الذي نستظلُ بهِ قلَّمَا يبقَى متماسكَ اللَّبناتِ مع حِدِّةِ الاحتكاكِ بصنوفٍ مِن مروِّجِي (الفتنةِ)، ودُعاةِ (الفوضَى)، (والتَّحريضِ) التِي في أحضانِهَا تُولدُ آلافُ الرّذائلُ، وتَخْتَمرُ في حوضِهَا مجموعةٌ من الجرائمِ! فإذا تركنَا الوطنَ الذِي نحبُّهُ لعواملِ الفوضَى والفتنةِ وأساليبِ التَّحريضِ الظَّاهر منهَا والمبطّن، ومَن يدعُو إليهَا لتنالَ منهُ فهِي آتيةُ عليهِ، وعندئذٍ تنفرطُ عقودُهُ كمَا تنفرطُ حبَّاتُ العقدِ إذا انقطعَ مأمنهُ، حتَّى يصبحَ في يدِ العابثينَ فُرطا؛ وحاشَاهُ من ذلكَ كلِّهِ وفيه المخلصُ، والمحبُّ، والمصلحُ.