الخطاب الدَّعوي وموائد الشَّيطان!!

الخطاب الدَّعوي وموائد الشَّيطان!!

كلّ شيءِ في بعض الدُّعاة المعروفين والمسيطرين على باحات الفضاء ووسائل التَّواصل طالته يد التَّغيير؛ فبرزوا في القنوات الفضائيَّة بعد أنْ أَصْدَورا حزمة تبقى للتَّأريخ من أساليب التَّحريم، والاستكراه، ما يتبعهما من الضَّوابط، ثمَّ اسْتَحْلوا الكتابة في المواقع الكترونيَّة بعد أنْ يعدَّوها في زمن مضى من الغزو والانحراف وسوء المنكرات، وتنافسوا على أدوات التَّواصل كـ'الفيس بوك'، و'تويتر'، و'الواتس آب'.. وغيرها كثير حتَّى وصل الحال ببعضهم إلى إقامة الاحتفالات وتباري الأتباع يسوّقون لذلك النَّجاح وعلو القامة، بعدما حذروا إلى عهد قريب أيَّما تحذير بضررها على المجتمع وخاصَّة شَبيبة الأمَّة. وكيف ننسى تلك الصَّيحة المدوية تحت مسميَّات الغزو الفكري والثَّقافي المرسلة بسرعة الرِّيح من بلاد الكفر والفسوق.. أليست موائد الشَّيطان؟! كلّ ذلك التَّحول الذي طال الدُّعاة محمود ومطلوب؛ ولكنَّه يظلّ تحوّلاً سطحيَّاً له ما يبرّره، في ظلِّ تهافت الكثير سعياً للشُّهرة والذُّيوع والتَّكاثر في الأتباع والتَّفاخر بالعدد، مع ذلك؛ يظلّ هذا التَّحوّل هشَّاً لا قيمة له في موازين العقل؛ لأنَّ الغاية التي ينادى بها بعض الدُّعاة غائبةٌ مغشيٌّ عليها إن لم تكن ميتة. فالخطاب الدَّعوي الذي يرنون إليه في تغيير السُّلوك، وتصحيح المعوجّ ظلَّ كما هو؛ بل وصل إلى حالة من انعدام التَّأثير والقبول؛ لأنَّ الأساليب وطريقة التناول هي هي، والموضوعات والمضامين هي هي، والقضايا والإشكالات هي هي. كلّ ذلك مجتمع أو منفرد يجعل من الدُّعاة واجب الاعتراف بوجود خللٍ في خطابهم الدعوي، القائم على الملامسة السَّطحيَّة في المعالجة، فضلاً عن الَّلعب على وتر العاطفة، والعبارات الرَّنانة، والجُمل المسجوعة التي يكسوها الانكسار والضَّعف، ناهيك عن التّكرار والاجترار, والقوالب الجامدة، فغُيّب المتلقي في ظلِّ التَّحول الكبير الذي طال البنية الاجتماعيَّة فصبح المتابع لا يلمس في ذلك الخطاب الهش تلك المعالجة المطلوبة والواجبة التي يجب أن يتبدَّى فيها العمق والجدّة في الطَّرح والموازنة بين كلِّ تلك المعطيَّات كي يخرج الخطاب الدَّعوي من عنقه الصَّغير الذي هيمن عليه ثلّة استحبوا الظُّهور والبروز دون التَّأثير العميق والمعالجة الجوهريَّة. إنَّ سورة 'الكهف' على سبيل المثال، مرآة حيَّة وصادقة لما أودّ قوله، فهي خير من يكشف لنا أبعاد ذلك الخطاب الذي نبتغيه بما تحمله السّورة من قوّة الفكرة والطَّرح؛ فصلاً عن سُبل المعالجة وطرائقها. فقضية 'الفتْية' عالجت البعد الرُّوحي الإيماني أزكى معالجة. و'قصة' موسى والخضر عليهما السَّلام تعالج أبعاد الفكر ورؤاه والسَّعي نحو البحث عن الحقيقة. وقصة 'ذي القرنين' سعت إلى معالجة البعد الماديّ دون أن تغفل جوانب الإعمار والحرث في الأرض. فهل يحق لي بعد هذا أن أقول: إنَّ عشرين سنة أو تزيد ومجتمعنا يعيش في دوامة بعض الدُّعاة بعد أن سيطروا بفعل معطيات كثيرة جعلتهم في دائرة الأضواءِ يجرّون وراءهم تركة من الخطاب البائت الذي لم يعد له متسع في ظلِّ فضاء واسع لا يعترف باللّغة الإنشائيَّة، والقوالب الجاهزة والأحكام الارتجاليَّة؛ فضلاً عن البعد عن المضامين الفكريَّة والدَّعويَّة والقضايا الجوهريَّة التي باتت تشكّل هاجسًا عند كثير من عامَّة النَّاس؟!