التصنيفات الفكرية : واقع لا يمكن إنكاره

التصنيفات الفكرية : واقع لا يمكن إنكاره
الاختلاف في نمط التفكير في حد ذاته ظاهرة إيجابية ، ولا تُسبب أي خطر يُداهم التركيبة الاجتماعية لأي تجمع بشري على الإطلاق ، ودوماً أقول إن ' الاختلاف هو الرحم الشرعي لتوليد الأفكار الإبداعية ' ؛ لأن قناعتي المؤَّكدة تقودني إلى ضرورة توافر التباين لكي نخرج من القولبة التي أسست لها تربية أُحادية التوجه لا تؤمن إلا بمبدأ ' إذا لم تكن معي فأنت ضدي ' ، ولكن – وللأسف الشديد – فُهِم الاختلاف على أنه خطوة لزعزعة الأمن القومي ، وبداية لتصديع جبهته الداخلية ، والسماح للمتربصين من الخارج بتفكيك لُحمته ، إلى غير ذلك من الرسائل السلبية التي تتناقلها الألسن ويغيب عنها إعمال العقول ؛ ورُبما لمن ظن هذا الظن السيئ مُبرراته التي رصدها من خلال التعاطي غير المنطقي بين أرباب المُختلفين والذين مارسوا هم دوراً يتنافى مع أخلاقيات الاختلاف ألا وهو ' الإقصاء ' ، فبدلاً من أن تكون لغة الحوار العقلاني هي السائدة بين التكتلات الوليدة نجد أن العكس هو سيد الموقف . وتأسيساً على ما سبق فإن الخطوة الأولى التي يجب أن نؤمن بها هي وجود مثل هذه الأنماط الفكرية بين ظهرانينا ، وعدم إغفال حِراكها مهما كان – سلبياً أو إيجابياً – ويتبقى بعد الإقرار بوجودها أهمية فتح قنوات تواصل ذات بُعد توفيقي وليس إقصائياً أو اندماجياً ، بقدر ما يكون هذا التلاقي قنطرة لإيجاد صيغة تحترم كل الأطروحات الفكرية وتقبلها كما هي لا كما تُريدها الفئة الأخرى ، وتعمل – جميعها – في خطوط متوازية لا تتقاطع لأي اعتبارات مهما كانت قوتها الجماهيرية ، أو توافر غطاء يدعم وجودها ، لكي نؤسس بناء على هذا الفَهْم منهجية التعددية والتنوع التي نؤمن بها قولاً ونرفضها ممارسة ؛ لسبب بسيط جداً يتمثل في أن الرؤية لهذه المنهجية تشوبها الضبابية ، ناهيكم عن النقص في الآليِّات التي تُحقق هذا التقارب الذي – أجزم – بأنه ملمح حضاري لمُجتمع يتقبل جميع أفراده مهما كانت توجهاتهم الفكرية وانتماءاتهم الطائفية ، ويرغب في الاستفادة من كل القدرات الكامنة التي تمتلكها كوادره البشرية عن طريق التوجيه السليم . إن المُتتبع للتصنيفات الموجودة في مُجتمعنا يجد أنها تخضع أولاً للانتماء الديني ، ثم تجد بعد ذلك أنها تجعل من الناس من هو علماني ومن هو مُلتزم ، كما لا يخفى عليكم ' بنو ليبرال ' استناداً لليبرالية ، والذي يحلو للكثير من مُعارضيه أن يسموا من يعتنق هذا المنهج بهذه الكُنية ، ولا ننسى ' هذا صوفي ' نسبة إلى الصوفية التي تُعد إحدى التهم المُرتكبة في مُجتمعنا المتنوع - داخلياً - والمتماثل - ظاهرياً - ؛ فالسؤال الأهم هنا لماذا هذه الازدواجية في التعاطي؟ وبشكل أوضح لماذا لا نكون على حقيقتنا أمام الكل ، فأقول أنا كذا وكذا؟ اعتقد أن هذه الانهزامية الداخلية التي نتعاطاها ونحاول أن نُخفيها هي البوابة التي أججت بروز التصنيفات بشكل غير ممنهج ، الأمر الذي سبب هذا النزاع بين الأطراف المُشكِّلة لهذه المرجعيات الفكرية التي لم تجد من يحترم مبادئها ، ويقبل أو يرفض رؤاها بشكل يُجنبها آفة الإقصاء ، بل وصل الأمر إلى التندر والسخرية بها . من هذا المنطلق أرى أن إعطاء هذا التباين حقه في التعبير عن نفسه بشكل علني يضمن لنا عدم عمله تحت جُنح الظلام ؛ مما يعني أن العمل بقبوله أمرٌ تُحتمه التغيُّرات المتلاحقة التي أحدثت بُنى اجتماعية جديدة لها مُتطلباتها ، وقادرة وبصوت جهوري على القول : نحن هنا ؛ لذا يجب عدم تجاهل كل ما يُطرح على أرض الواقع مهما كان تصنيفها الفكري .

أخبار ذات صلة

«اسحب على الجامعة يا عم»!!
حكاية مسجد في حارتنا..!!
شر البلية ما يُضحك
أطفالنا والشاشات
;
الرد على مزاعم إسلام بحيري في برنامجه إسلام حر
السعودية ومرحلة الشراكة لا التبعية
جلسات علمية عن الخلايا الجذعية
الشقة من حق الزوجة
;
المزارات في المدينة المنوَّرة
خطورة المتعاطف المظلم!
خطورة المتعاطف المظلم!
لماذا يحتاج العالم.. دبلوماسية عامة جديدة؟!
أدب الرحلات.. والمؤلفات
;
كيف نقضي على أساليب خداع الجماهير؟!
المتقاعدون والبنوك!!
د. عبدالوهاب عزام.. إسهامات لا تُنسى
فلسفة الحياة.. توازن الثنائيات