المخدراتُ: أرقامٌ مهولةٌ تتحدَّثُ عن نفسِهَا
أتذكَّرُ جيَّدًا أنَّ وزارةَ الداخليَّةَ أعلنتْ قبلَ سنواتٍ أنَّ هناكَ أكثرَ مِن 280 ألفَ مدمنِ مخدراتٍ في المملكةِ. ولعلَّ إعادةَ النَّظرةِ إلى ذلكَ الرَّقمِ المهولِ يثيرُ الدَّهشةَ؛ فلوْ حاولنَا تقليبَ قراءةِ الرَّقمِ من زاويَا أخْرَى فستصبحُ النتيجةُ هكذَا: 280 ألفَ عقلٍ ذهبَ منهُ تماسكُهُ، وضاعتْ لبناتُهُ!! 280 ألفَ جسمٍ تهاوَى وانفرطَ كمَا تنفرطُ حبَّاتُ العقدِ!! 280 ألفَ نفسٍ تقطَّعتْ أواصرُهَا فلمْ يعدْ لهَا رابطٌ يربطُ نظامَهَا وينسقُّ شؤونَهَا ويركِّزُ قوامَهَا. في بدايةِ هذَا الأسبوعِ أبانتْ صحيفةُ 'المدينةِ' علَى لسانِ متحدِّثِهَا الرَّسميِّ لوزارة الداخلية اللواء منصور التركي أنَّ الوزارةَ استطاعَتِ السَّيطرةَ علَى اثني عشر مليونًا وثلاثمئة وواحدٍ وثلاثين ألفًا ومئة وثلاثة وسبعين قرصَ امفيتامين قبلَ وصولها إلى أيدِي العابثِينَ والمتعاطِينَ، فضلاً عن ستةَ عشر طنًا وثمانمئة واثني عشر كيلوجرامًا من الحشيشِ المخدِّرِ، إضافةً إلى ستة كيلوجرامات وستمئة وستة وعشرين جرامًا وستمئة مليجرام من الهيروين الخامِ، وستمئة ألف وسبعمئة قرصٍ!! تلكَ أرقامٌ مهولةٌ، ولَكُمْ بعدَ ذلكَ؛ أنْ تقلِّبُوهَا علَى مَا تشاءُونَ، وتقرؤونَهَا من زوايَا متعدِّدةٍ، فكلُّ قراءةٍ تشِي إلَى مدَى الاستهدافِ الذِي طالَ شبابَ هذَا الوطنِ، ومدَى قابليَّةِ هذَا الاستهدافِ لدَى الشَّبيبةِ، ومدَى التَّحايلِ الذِي وصلَ إليهِ مروّجو هذَا الدَّاءِ حتَّى أصبحُوا كالعجلةِ التي لا تعرفُ الهدوءَ ولا السَّكينةَ!! في ذاتِ السِّياقِ ينقلُ الباحثُ الدكتور فايز الشهري في ورقةٍ لهُ بعنوانِ (المخدرات وشبكة الإنترنت) أنَّ تقاريرَ أمريكيَّةً لسنةِ 2007م -لاحظُوا أنَّنا في 2013م- تشيرُ إلَى أنَّ مستوَى قابليَّةِ طلابِ المرحلةِ الثَّانويةِ لتعاطِي المخدراتِ تصلُ إلَى 9 من كلِّ 10 طلابٍ!! ويضيفُ أنَّ مشكلةَ تجارةِ المخدَّراتِ تشكِّلُ ثقافةً مجتمعيَّةً تدعمُهَا تجارةٌ عالميَّةٌ شرسةٌ ومنظَّمةٌ، ويكفِي أنْ نعلمَ أنَّ تجارةَ المخدراتِ تعدُّ ثالثَ أكبرِ تجارةٍ غيرِ مشروعةٍ في العالمِ، حيثُ يصلُ حجمُ هذِه التِّجارةِ إلَى 320 مليارَ دولارٍ سنويًّا، بحيثُ تعادلُ النَّاتجَ المحليَّ لحوالى 90% من دولِ العالمِ؛ فضلاً عنْ أنَّ حجمَ تجارةِ تهريبِ المخدراتِ في جميعِ أنحاءِ العالمِ تبلغُ حوالَى 400 مليارِ دولارٍ مع هامشِ ربحٍ خياليٍّ يوازِي 300 في المئةِ. وإذَا كانتْ أساليبُ ترويجِ ثقافةِ تعاطِي وقبولِ المخدراتِ أخذتْ منحىً آخرَ في ظلِّ التَّقدمِ الهائلِ في التَّقنيةِ فقدْ باتتْ شبكةُ الإنترنت فِي كثيرٍ من الكِتاباتِ الاجتماعيَّةِ أسَّ البلاءِ، وتُعدُّ منتدياتُ الشَّبابِ وغرفُ الدَّردشةِ الإلكترونيَّةِ مكانًا مرشَّحًا وجدَ فيهِ بعضُ المتعاطِينَ ومَنْ يروِّجُونَ لثقافةِ المخدراتِ ملاذًا آمنًا للتَّباهِي بهذِه الثَّقافةِ وترويجِهَا. ولمْ يعدْ الأمرُ مقصورًا علَى مَا سبَق؛ بلْ وصلَ الأمرُ إلى تقديمِ معلوماتٍ عن أماكنَ توافرِهَا عبرَ مدنِ العالمِ، فلمْ يعدْ سرّاً أنَّ شبكةَ الإنترنت تقدِّمُ لكلِّ فردٍ أيَّ معلومةٍ عنْ أيِّ موضوعٍ، ومِن هذِه المعلوماتِ وجودُ عددٍ لاَ يُسْتهانُ بهِ من المواقعِ والمنتدياتِ؛ ناهيكَ عمَّا توفِّرهُ غُرفُ الدَّردشةِ من تواصلٍ مباشرٍ لتعليمِ مستخدمِي الإنترنت عنْ أماكن وجودِ هذِه المخدراتِ، وطرقِ الحصولِ عليهَا، والملاحظُ أنَّ بعضَ الأدلةِ الإلكترونيَّةِ للمسافرِينَ تتسامحُ في تقديمِ معلوماتٍ عنْ وجودِ الحشيشِ -علَى سبيلِ المثالِ- للمسافرِينَ مع توضيحِ مدَى المخاطرِ الأمنيَّةِ والقانونيَّةِ، وتقديمِ النَّصائحِ لجلبِ هذِه المخدراتِ بحسبِ طبيعةِ النّظامِِ الأمنِي والقضائِي لكلِّ بلدٍ.