العلاقة بين أمريكا والسعودية
تاريخ النشر: 03 أبريل 2014 03:38 KSA
أتت زيارة الرئيس أوباما للرياض في بداية الأسبوع الحالي في وقت تشهد فيه المنطقة العربية تحوّلات خطيرة للغاية، تستوجب إعادة النظر في الفتور والتراجع من قِبَل أمريكا في الاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط باستثناء تقاربها مع إيران واهتمامها المستمر بإسرائيل.
وبعيدًا عن كل التخمينات والفرضيات حول علاقة المملكة العربية السعودية وأمريكا هناك عدد من الحقائق التي لا يمكن تجاهلها أو التخلص منها. في مقدمة هذه الحقائق الأهمية الإستراتيجية للطرفين مع فارق القوة العسكرية والنفوذ الدولي.
موقع المملكة ومكانتها بين دول العالم الإسلامي يمنحها ميزة خاصة عن غيرها من دول المنطقة. والدول المتقدمة تبني حساباتها الإستراتيجية على الأساس الأفضل لها من كل الجوانب (الجغرافيا، والاقتصاد، وعوامل قوة التأثير على الغير)، يصاحب ذلك الاستقرار السياسي والقدرة على الاستمرار والتعاون في أمور حسّاسة، مثل التصدي للإرهاب، وتطوير آليات التحكم والمراقبة الأمنية.
وأمريكا ليست مجرد قوة عسكرية ضاربة تصنع السلاح وتبيعه وتُجهِّز الجيوش للغزو والاحتلال، ولكنها نظام مؤسسات ديمقراطي واقتصاد رأسمالي يسعى على الدوام للتفوق ورفع مستوى المعيشة والحث على التدافع من أجل التقدم والرخاء، وهذه هي المحركات الرئيسة للسياسة الأمريكية الداخلية والخارجية لتحقيق الحلم الأمريكي.
استقرار المملكة السياسي ومناخ التنمية الديناميكي والاستثمارات في المشروعات العملاقة يغري المستثمر الأمريكي بجدوى التعامل بثقة مع المملكة؛ لأن ذلك من شروط النظم الرأسمالية التي تُفضِّل الابتعاد عن الأماكن المُتقلّبة التي تكون درجة المخاطر فيها عالية جدًا حتى لا تُعرِّض استثماراتها للخطر بين حينٍ وآخر.
اكتشاف البترول في الجزيرة العربية عزّز المكانة الإستراتيجية للمملكة العربية السعودية، وجذب الشركات ورؤوس الأموال الأمريكية للاستثمار بقوة في البحث والتنقيب والاستخراج والتكرير والتسويق لتوفير الطاقة في أمريكا وشركائها في أوروبا الغربية واليابان... وغيرها من الدول الصناعية. وعلى هذا الأساس برزت أهمية استمرار تعزيز وتطوير آليات المصالح المشتركة بين الطرفين.
ومشكلة أمريكا مع العرب بصفة مركزية وجوهرية ميولها - المجحف والظالم - مع السياسة الإسرائيلية ضد رغبة ومصالح الشعب العربي بصفة عامة، وهذا ما يجعل العرب على الدوام ينظرون إلى السياسة الأمريكية بعين الريبة والقلق وعدم الاطمئنان. ورغم مصالح أمريكا العميقة وعلاقاتها الإستراتيجية مع كل الدول العربية فلا زالت مستمرة في الدعم المطلق للكيان الصهيوني ضاربة بكل القوانين والأعراف الإنسانية والقرارات الدولية عرض الحائط تحت مظلمة استخدام حق الفيتو في مجلس الأمن لحماية إسرائيل، وأي نظام عربي لا يمكنه تجاهل ذلك.
تعامل المملكة مع أمريكا من بداية عصر النفط في القرن الماضي كان قرارًا حكيمًا ومفيدًا للطرفين، ومن طبائع الأمور أن التحولات الاقتصادية والاجتماعية وثورة العولمة والمعلومات أثرت في ضرورة تطوير الترتيبات القديمة، وضرورة تحديثها من أجل المواكبة للمستجدات.
في الجانب الأمريكي الإعلام والمنظمات المؤيدة لإسرائيل لا تتوقّف عن مناوأة السياسة السعودية، وتحاول بشتى الوسائل التشويش على أي توجّه من قِبَل الإدارة التنفيذية في البيت الأبيض لمراعاة العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين والمحافظة عليها.
واللافت أن الرئيس أوباما لم يأتِ لوحده، بل كان بصحبته أهم أركان السياسة الأمريكية (وزير الخارجية جون كيري ووزيرة الأمن القومي السيدة رايس)، ولا أحد يتصور أنهم أتوا للفسحة، وعلى الجميع ترقب النتائج.
حصيلة الزيارة وشفافية الطرح من قِبَل قيادة المملكة محل اهتمام دولي ومحلي على الجانبين، وهذا ما يُؤكِّد بأن المملكة لا يمكن تَجاهُل أهمية دورها في السياسة الدولية.