أحمد المبارك أديب السفراء وسفير الأدباء

أحمد المبارك أديب السفراء وسفير الأدباء
لا أظن عينًا عرفت الشيخ أحمد بن علي المبارك لم تذرف الدمع عليه. ولا أظن قلبًا أحبّه لم يأسَ حزنًا عليه. ولا أظن أن أحدًا جالسه لم يحظَ بحبّه، والإعجاب به. لقد رحل يوم الجمعة 9/5/1431هـ، 23/4/2010م إلى دار أرحب من الدار، وإلى جوار رب غفور رحيم. ولئن كان رحيله قد أذرف الدموع، وأحزن القلوب، فإن ما تركه من ذكر حسن سيبقيه حيًّا في سطور التاريخ. لله ليالٍ في ندوة عبدالعزيز الرفاعي في الرياض كنا نسعد فيها كل ليلة جمعة بمجالس كان زينة لها، ليس في مروياته الأدبية -شعرًا ونثرًا- فحسب، بل بما يضفيه أثناء الرواية من روح الدعابة، وجمال الكلمة، وتواضع الكبار، حتّى أنه لا يكاد يُرى غاضبًا، أو عابسًا، وفيه روح الشباب، وإن تقدّمت به السنون، ولذا لا أبالغ إن قلت: إنه لن يذكر له مَن عرفوه مواقف إلاّ مواقف الرجال، حتّى أولئك الذين سمعنا منه إساءة منهم إليه أثناء عمله الدبلوماسي لم يذكرهم بسوء، وكان يتعالى في مواقفه، فيقابل الإساءة بالإحسان. لقد عاش رحلات للعلم في حياته، فرحل إلى بغداد في صغره، وإلى مصر في شبابه، ورحلات في العمل التربوي من موجّه تربوي، إلى معتمد لتعليم جدة ورابغ، إلى مدير عام لتعليم جدة، ورحلات أكثر ثراءً في العمل الدبلوماسي في الأردن، والكويت، والعراق، وغانا، وقطر، إضافة إلى الإدارات التي تولّاها في ديوان الوزارة، وآخرها مدير للإدارة الإسلامية، غير أن أثرى رحلاته هي رحلته مع العلم دارسًا على علماء أسرته المباركية في ‏الأحساء، ثم متنقلاً لطلبه في العراق، ومصر، وأكثر من ذلك سعيه ‏وراء الكتاب حتّى عاد بصحبته من مصر بمكتبة هي أساس مكتبته ‏الغنية، التي آمل أن يعمل مازن وأخوته على أن تكون أثرًا خالدًا يخدم ‏الطلاب بعد مماته، كما خدمتهم في حياته، وأفضل ما يُوصف به هو ‏أنه أديب السفراء، وسفير الأدباء لدى الدبلوماسيين.‏ في عام 1411هـ، وبعد تطوّف انتهى بالتقاعد من العمل الحكومي، ‏قرر أن يعود إلى مرابع صباه، ولكنه عاد بشيئين أولهما مكتبته التي ‏شُغل زمنًا بإيجاد مكان لها في منزله، وبترتيبها لتكون في متناول ‏الباحثين، وعلّق فيها قصيدة نفيسة تبين نفاستها عنده، وثانيهما أن ‏مداومته على ندوة الرفاعي في الرياض دعته لإنشاء ندوته الأحدية ‏في الأحساء؛ لتسعى إليها القلوب قبل الأجسام، كما عبّر هو، وآمل أن ‏تبقى هذه الندوة مشعلاً في الأحساء كما كانت، وقد حضرتها ‏وحاضرتُ فيها، وعشتُ ليلة في منزل الشيخ من ليالي الصفاء في ‏العمر، وما أقلها، حتّى إذا ما خرجنا من صلاة الفجر أنا والصديق د. ‏علي الخضيري، وإذا بالشيخ قد جهّز الإفطار لنأخذه معنا، وكان مذاقه ‏بمذاق أخلاق الشيخ.‏ عندما عاد الشيخ إلى الأحساء أقام له آل المبارك حفلاً تكريميًّا في ‏بيت آل المبارك المعد للقاءاتهم ومناسباتهم، وعندما انهالت الكلمات ‏والقصائد بذكر محاسنه أجهش الشيخ بالبكاء لما سمعه من عواطف ‏من محبيه، وهو من رجال الوفاء، فقد كان يأتي وهو على كرسي ‏متحرّك لحضور اجتماعات مجلس الأمناء لمؤسسة الشيخ حمد ‏الجاسر في الرياض، وكذلك يفعل في حضور الخميسية إبان الشيخ ‏حمد الجاسر وبعده.‏ لقد فقدت بلادنا، والأحساء بخاصة رجلاً يظل مكانه شاغرًا، ولكن ‏حسبه أنه بعث في الأحساء حِراكا ثقافيًّا عند عودته، وترك أثرين هما ‏المكتبة والأحدية، وفي أبنائه ورجال أسرته رجال سيجعلون المشعل ‏يستمر وضاءً، أسكنه الله جنات الفردوس.

أخبار ذات صلة

الطرق البطيئة
في العتاب.. حياةٌ
مهارة الإنصات المطلوبة على المستوى الدولي
مقوِّمات.. لاستقرار الشركات العائلية
;
ستيف هوكينغ.. مواقف وآراء
لا تخرج من الصندوق!
(قلبي تولع بالرياض)
سياحة بين الكتب
;
تمويل البلديات.. والأنشطة المحلية
الإدارة بالوضوح!
نحـــــاس
أدوار مجتمعية وتثقيفية رائدة لوزارة الداخلية
;
«صديقي دونالد ترامب»
قِيم الانتماء السعودية
جدة.. الطريق المُنتظر.. مكة!!
إسراف العمالة (المنزليَّة)!