وادي الصفراء من أكثر أودية الوطن حفظًا للتاريخ ومواقعه

وادي الصفراء من أكثر أودية الوطن حفظًا للتاريخ ومواقعه

يقع وادي الصفراء غرب المدينة المنورة، ويطلق عليه هذا الاسم بدءاً من بئر الروحاء، وهو وادٍ كثيرِ النخل والزرع والخير، سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم عدّة مرّات، عند بعض الغزوات، وعند سلوكه الطريق إلى مكة الذي يتجه من المنصرف (المسيجيد حاليًّا) جنوبًا؛ ووادي الصفراء يستمر غربًا حتى يصب في البحر الأحمر عند ميناء الجار المندثر بالقرب من الرايس حاليًّا، ذكره المؤرخون حيث قال عنه عرام بن الأصبغ، وكذا الحربي: الصفراء قرية كثيرة النخل والمزارع وماؤها عيون كلّها. ووادي الصفراء وعاء لكثير من القرى التاريخية، ولا زالت بعض أطلالها موجودة، ولكنها تحتاج إلى بحث وإظهار تاريخ كلّ قرية، ومن هذه القرى التاريخية بئر الروحاء، المنصرف (المسيجيد)، خيف الحزامي، أم ذيان، المويلح، الحمراء، الخرماء، الواسطة، الحسينية، بدر (وما تحويه من آثار: شهداء بدر، مسجد العريش، العدوة الدنيا والعدوة القصوى)، الجار، وكلّ ما سبق له تاريخ وله علاقة بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبوادي الصفراء مات عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب -رضي الله عنه- وكانت قد قطعت رجله في مبارزته مع عتبة بن ربيعة في معركة بدر، ومات بالصفراء (بالقرب من قرية الحمراء) عند رجوعه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وقد رثته هند بنت أثاثة بن عبدالمطلب حيث ذكرت الصفراء بالاسم: لقد ضُمِّن الصفراءَ مجدًا وسؤددا وحلمًا أصيلاً وافر اللبِّ والعقل عبيدةَ فأبكيه لأضيافِ غربةٍ وأرملةٍ تهوي لأشعثَ كالجذْل وبكّيه للأقوام في كل شَتْوةٍ إذا احمرّ آفاقُ السماءِ من المحْلِ وبكّيه للأيتام، والريحُ زَفْرَفٌ وتشبيب قدر طالما أزبدت تَغْلي فإن تصبح النيران قد مات ضوؤها فقد كان يذكيهن بالحطب الجزْل لِطارق ليلٍ، أو لملتمس القِرى ومستنبح أضحى لديه على رِسْل وفي رجوعه صلى الله عليه وسلم من غزوة بدر الكبرى أمر بقتل النضر بن الحارث في الأثيّل (الحسينية) حاليًّا ورثته ابنته قُتيلة بنت النضر بن الحارث بأبيات من الشعر تُعدُّ من أروع الشعر المؤثر: يا راكبًا إنّ الأُثيلَ مَظِنَّةٌ من صُبْحِ خَامسَةٍ وأنتَ مُوَفَّقُ بَلِّغْ به ميتًا فإن تحيَّةً ما إن تزالُ بها الركائبُ تَخْفِقُ مِنِّي إليه وعَبرةً مسفوحةً جادت لمائحِها وأخرى تخنُقُ فليسمَعنَّ النضرُ إن ناديتُه إن كان يسمع ميِّتٌ أو ينطقُ ظلَّتْ سيوفُ بني أبيه تنوشُه للهِ أرحامٌ هناك تُشَقَّقُ أمحمدٌ ولأنت نجلُ نجيبةٍ من قومها والفحلُ فحلٌ مُعْرِقُ ما كان ضرَّك لو مننْتَ ورُبَّما مَنَّ الفتى وهو المغِيظُ المُحْنَقُ والنَّضْرُ أقربُ مَنْ أصَبْتَ وسيلةً وأحقُّهم إن كان عِتقٌ يُعْتَقُ ويقال إن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع هذه الأبيات، تأثر تأثرًا شديدًا، وبكى حتى اخضلت لحيته وقال: لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه. هذه لمحة عن هذا الوادي التاريخي مع ضرورة المحافظة على ما تبقّى من الشواهد التاريخية والمحافظة عليها؛ لأنها مصادر ثقافية عميقة، ولاحظوا عمق شعر المرأة العربية، ولاسيما هند بنت أثاثة بن عبدالمطلب وقتيلة بنت النضر بن الحارث.