النَّافذةُ الصَّغيرةُ تكشفُ السَّوءَةَ!!
عندمَا تأخذكَ رجلُُكَ إلى ممارسةِ رياضةِ المشي بوصفهَا وسيلةً إلى الصِّحةِ، دونَ أن تكترثَ بأزقَّةِ الشَّوارعِ الضَّيقةِ، أو الواسعةِ بتفرعاتِها المتنوِّعةِ، وما يعتورهَا من النَّقصِ والتَّلفِ؛ فضلاً عن رذالةِ بعضِ السَّائقينَ، وانعدامِ الوعي القياديّ وهم يُسابقُونَ الرِّيحَ دونَ أيّ اكتراثٍ لحقِّ الطَّريقِ، هنا؛ وأنتَ تسيرُ برجليكَ تتكشَّفُ لكَ عوراتٍ كانتْ مستورةً، وسوءاتٍ لمْ تتحْ لكَ مركبتكَ وهي تسرقُ الطَّريقَ، وتلتهمُ الشَّوارعَ والأزقَّةَ أنْ تَراهَا، أو تحسَّ بهَا. ساعةٌ واحدةٌ من المشي في بعضِ شوارعنَا تُكْشفُ لكَ سوءَةَ بعضِ النَّاسِ، وعبثِهم، ورعونتِهم، وفضولِهم وهي تتهاوَى بينَ يديكَ، وتتكسَّرُ تحتَ ناظريكَ!! آلافُ الخُطبِ تُتلى صباحَ مساء علَى منابرنَا تدعُو دعوةً صريحةً إلى أنَّ للطَّريقِ حقًّا مُصَانًا بحكمِ الشَّارعِ الحكيمِ؛ ناهيكَ عن عشراتِ المحاضراتِ والنَّدواتِ، وبضعةِ أحاديثَ نبويَّةٍ متواترةٍ تدعُو إلى كلِّ ذلكَ؛ ولكنَّها سرعانَ ما تضيعُ كمَا ضاعَتِ الكثيرُ من المبادِئِ والمُثلِ، والكثيرُ من الحقوقِ حالَ الاحتكامِ للممارسةِ الفعليَّةِ، والسَّعي إليهَا، والثَّباتِ عليهَا، وتتبخَّرُ تلكَ الجُملُ المنمَّقةُ التي كُنَّا نتغنَّى بهَا في المجالسِ الخاصَّةِ والعامَّةِ؛ فضلاً عن مئاتٍ من الصَّفحاتِ المسوَّدةِ في المناهجِ الدراسيَّةِ بأغلفةٍ جميلةٍ وخطوطٍ أنيقةٍ لا تنعكسُ في واقعِ النَّاسِ!! من تلكَ النَّافذةِ الصَّغيرةِ يرمِي ذلكَ الْكَهلُ بفضلاتِهِ منهَا، مستكثرًا على نفسِهِ، ومحتقرًا بيئتَهُ لو وقفَ بجانبِ المكانِ المخصَّصِ لمثلِ تلكَ القذارةِ!! ومن تلكَ النَّافذةِ الصَّغيرةِ تتعالَى أصواتُ الموسيقَى الصَّاخبة في لغةٍ هابطةٍ، وفنٍّ رخيصٍ؛ زعمًا بحسنِ الاختيارِ، ولفتِ الأنظارِ كمحاولةٍ رخيصةٍ وثقيلةٍ لتشنيفِ الأذنِ بتلكَ الأصواتِ المزعجةِ حدَّ الوجعِ والغثيانِ!! ومن تلكَ النَّافذةِ الصَّغيرةِ تتمايلُ الأجسادُ ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشِّمالِ عندَ الإشاراتِ، وأوقات ازدحامِ مرورِ المركباتِ ظنًّا بحضارةِ المتمايلِ، وتغذيةِ المتفرِّجينَ له في سلوكٍ بذيءٍ، وتصرُّفٍ همجيٍّ!! ومن تلكَ النَّافذةِ الصَّغيرةِ يخرجُ الخَبثُ بصقًا في الطُّرقاتِ، وأمامَ أعينِ الأعينِ حتَّى أصبحَتِ الشَّوارعُ لوحةً من الأوساخِ الكاشفةِ عن سوءِ الأدبِ، وقلَّةِ التَّربيةِ!! من تلكَ النَّافذةِ الصَّغيرةِ تتبارَى العيونُ شمالاً ويمينًا؛ بحثًا عن عباءةٍ سوداءَ، تتدثَّرُ بهَا المرأةُ عندنَا؛ خوفًا من سقطاتِ السُّفهاءِ، وطيشِ الرِّجالِ!! من ذاتِ النَّافذةِ الصَّغيرةِ تتصارعُ الأيادِي عندَ الإشاراتِ المروريَّةِ، وتتعالَى الأصواتُ كلٌّ يسعَى للتهامهَا سارقةً حقَّ الأفضليَّةِ!! فمَا أقدركِ أيّتهََا النَّافذةُ على كشفِ السَّوءَةِ التي تكتسينَا حتَّى ونحنُ نعيشُ مكشوفينَ بلا حجابٍ!! شكرًا أيَّتهَا النَّافذةُ على هذا الكشفِ المبينِ في بنيةِ هذا المجتمعِ مع كثرةِ تغنيهِ بالمُثلِ والخُلقِ!! شكرًا أيَّتهَا النَّافذةُ على تلكَ الخُطبِ المثخنةِ برحيقِ الدَّعوةِ الأخلاقيَّةِ، والوعي المجتمعيّ المزعومِ!! شكرًا أيَّتهَا النَّافذةُ على هذا الزَّيفِ في تربيتنَا وقيمنَا من خلالِ تلكَ الكوَّةِ الصَّغيرةِ بعدَ أنْ أصبحتِ أنتِ المرآةَ الصَّادقةَ لواقعنَا، لأنفسنَا، لبنيتنَا، لخطبنَا، ومناهجنَا، ومحاضننَا، وندواتنَا، ومحاضراتنَا!! ما أقدركِ أيَّتهَا النَّافذةُ الصَّغيرةُ على هذه البطولةِ في هذا المضمارِ الكبيرِ، وأنتِ تصارعينَ رعونةَ الغوغاءِ والدَّهماءِ، وهم ينثرُونَ خبثَهم وسوءَتهم ورجسَهم في كلِّ طريقٍ يمرُّونَ بهِ!!