مذكرة سفر(1):من مدينة النور
تاريخ النشر: 11 مايو 2014 04:20 KSA
قل عنها ما شئت :عجرفة أهلها , كثرة قوارضها ، سرقاتها ، غلاء معيشتها.. ثم ضع نقطة و تعال نمشِ سوياً في جاداتها.
أكتب اليوم من مقهى 'LE NEMOURS' من أمام اللوفر في الدائرة الأولى، عن أي دائرة تتحدث؟ لعلي أعود لهذه النقطة في الأسبوع القادم.
لكن هذه السطور لها قصة غريبة،حدث أنني جئت. من مدينة 'تولوز' و قد كنت في دورة تدريبية آنذاك لزيارة والدتي المصطافة في باريس عام 2010 و بعد أن انقضت الزيارة سلكت طريقي الى المطار لأعود الى 'طولوشه' لكن زحام باريس الفظيع و كثرة محطات قطارها 'السريع' فوت علي رحلتي ذات التذكرة غير المسترجعة! اضطررت للعودة للمبيت في باريس فوصلت ليلاً ولم أشأ أن أزعج الأسرة،فرحت أبحث عن نُزلٍ أبيت فيه،أي نُزل.. لكن عبثاً كنت أحاول..وكم بدت تلك الليلة قاسيةً و أنا أسحب حقيبتي ذات العجلات خلفي في ذلك الطقس البارد،غير أنها تحولت الى ليلةٍ أُخرى و أمسيةٍ لم تكن بالحسبان.. فبرغم أنني جئتها عشرات المرات طفلاً و شاباً بصحبة أسرتي،و مؤخراً في بدلة الطيار السائح.. الا أنها بدت مختلفة ذلك المساء.
شوارعها ليست كشوارع المدن الأُخرى،تتناثر حولها تلك المصابيح المزخرفة ذات الإضاءة الصفراء الأكثر ميلاً للاحمرار،مرصوفة بعناية بتلك الحجارة المعينة الشكل وكأنها نفس الأرض التي مشت عليها عربات الخيل في بؤساء 'فيكتور هوجو' لتشق الطريق عبر تلك البنايات الصامدة في وجه قسوة التاريخ..نجت من حروب 'بونابارت' و حربين عالميتين، في الثانية منها رفض حاكم باريس العسكري النازي الجنرال «ديترتش فون شولتز» الأوامر لتدمير ذلك المتحف المفتوح،آه طبعاً طبعاً الثورة الفرنسية،فمن ذا الذي لايذكر 'كومونة باريس'.
كل بناية لها قصة،و في حين تتشابه من الخارج للعوام لتخدم روح المدينة الموحدة..الا أنها مختلفة في تفاصيل يراها المتأملون،أو المتسكعون ! و قد روى أستاذنا الأديب المناع في 'تاريخ لم يؤرخ' (دار المرسى) أن 'رواشين' جُدة تكون أكثر تفاصيل و دقة (لخفض تكاليف الصناعة) كلما كان الطابق أقرب الى الرائي،الا أن الحديد المشغول هنا لا يقل بذخاً عن بعض ولو كان في أعلى 'نوتردام'.
ويكأن أبا عمروٍ يريد أن يقول..
لاتجعلوا شُغل الرواشين دليلاً على الجمال.... إن الجمال في عين الرائي.
الى اللقاء