الطيران المدني.. ونظرية المؤامرة!
تاريخ النشر: 15 مايو 2014 05:03 KSA
الطائرة مركبة من صنع الإنسان، أبدع فيها وطوّرها حتى أصبحت من مجرد شبه آلة صغيرة إلى مركبة ضخمة عالية الجودة والدقة والمتانة تنقل ما يزيد على ثلث التجارة العالمية حسب القيمة وأكثر من نصف سكان العالم سنويًّا عبر القارات والمحيطات من وإلى كل دول العالم. تشغل (100000) رحلة يوميًا يعمل بها ملايين من الفنيين والإداريين على كل المستويات على مدار الساعة في حركة مستمرة لا تتوقف.
وحول الطائرة تشكل ما يطلق عليه صناعة النقل الجوي بكل مكوناتها من مطارات ومرافق ملاحية وتجهيزات أرضية ومعدات للصيانة والتشغيل والتدريب والسلامة ووكالات سياحية. ولأن الطائرة والطيران وسيلة من صنع الإنسان ابتكرت لتحقيق أغراض معينة، فإنها معرضة مثل غيرها من الصناعات لكل العوامل المؤثرة والمتأثرة بما يفعله الإنسان من تنافس وأطماع وصراعات وحروب ونمو وتطور واستغلال، وما إلى ذلك من تصرفات البشر.
التنافس في هذه الصناعة له طابع خاص لأنها مكون إستراتيجي ومن يمتلك قصب السبق فيها يسعى بشتى الوسائل للوصول للقمة والبقاء فيها من حيث حجم المبيعات والعائدات والمكانة والتأثير في حياة أكبر عدد من البشر داخل حدود الدولة الصانعة وخارجها. ولأنها صناعة إستراتيجية فإن طابع الاحتكار سيطر عليها من البداية، ولذلك نرى شركة بوينج الأمريكية كانت وما زالت أكبر شركة صانعة للطائرات في العالم، وتُصنَّف الأفضل على كل المستويات من حيث الجودة والاستجابة لمتطلبات السوق.
في الربع الأخير من القرن العشرين بدأت شركة إيرباص - الأوروبية الصنع والتمويل- في أخذ حصة متدرجة من السوق حتى وصلت إلى المنافسة على الصدارة من حيث حجم الإنتاج والتشغيل، ومع ذلك كوّنت لها رصيد عالي من السمعة والثقة والجودة.
في الجانب الشرقي من القارة الأوربية (الاتحاد السوفيتي سابقًا) تكونت صناعة الطيران المدني والعسكري معًا، مثلما حصل في أمريكا، وأصبحت - إير فلوت- أكبر شركة طيران في العالم من حيث الحجم والتشغيل بحكم طبيعة النظام الإشتراكي الشمولي والتخطيط المركزي الذي كان عليه؛ معتمدة على حجم السوق في جمهوريات الاتحاد السوفيتي ومن يدور في فلكها من دول العالم الثالث.
منظمة الطيران المدني الدولية أسست في عام 1944م قبل منظمة الأمم المتحدة التي تأسست في عام 1945م، وكان ذلك الحدث التاريخي دليل واضح على أهمية الطيران المدني حسب رؤية الساسة والمختصين في ذلك الوقت قبل أن تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها، حيث عقد أول مؤتمر لذلك الغرض في مدينة شيكاغو الأمريكية بدعوة من الرئيس الأمريكي روزفلت حضره مندوبون عن 52 دولة بدعوة خاصة من الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت، وحاليًا وصلت عضويتها إلى 191 دولة.
بدا عنصر المنافسة في ذلك الاجتماع على مدار خمسة أسابيع بين بريطانيا العظمى الإمبراطورية الآفلة وبين المهيمن الجديد أمريكا المتوثبة لجني ثمار الحرب العالمية الثانية وصياغة مواثيق عهد جديد تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وتسيطر على صناعة القرارات في ذلك الحقل الواعد، وما يتفرع عنه من منافع، ولا تترك أي مجال لغيرها إلا بقدر ما يخدم مصالحها أولاً، وقبل أي اعتبارات أخرى. وقد نتج عن ذلك الاجتماع صياغة معاهدة شيكاغو الشهيرة التي أصبحت دستور صناعة النقل الجوي في العالم، وتقرر أن يكون مقرها الرئيس في كندا بمدينة مونتريال قريبًا من أمريكا الراعي الأول لشؤون الطيران المدني من البداية وحتى اللحظة الراهنة.
ولأن الطيران المدني وسيلة سريعة وآمنة بنسبة عالية جدًا مقارنة بوسائل النقل الأخرى فإن استخدامه من قِبَل الدول الكبرى لخدمة مصالحها لم يخلُ من الصراعات على المصالح والحفاظ على المكاسب التي حققتها الدول المتفوقة من بداية النهضة التقنية لصناعة الطيران وغيرها من الوسائل المعاصرة.
العالمين العربي والإسلامي - مع الأسف- بقيا مستهلكين بقدر ما يسمح لهما أن يكونا بعيدين عن الصورة في مجالات التصنيع وغيرها من المؤثرات الجوهرية في عالم الطيران.
نظرية المؤامرة ليست معادلة رياضية يمكن إخضاعها لقياس واحد زايد واحد يساوي اثنان، ولكنها حزمة من العوامل المُعقّدة من المناورات والتوقعات والحوارات والتقلبات تستخدم لتحقيق أغراض معينة. وحقل الطيران المدني لا يخلو من تلك العوامل بحكم التداخلات ومتطلبات تحقيق المصالح للدولة صاحبة القرار المتفوقة سياسيًا وصناعيًا واقتصاديًا. فأين ما تكون المصالح الكبرى على المحك يكون كارت المؤامرة وارد استخدامه.
وفي حقل الطيران المدني نذكر على عجالة عدد من الحوادث التي دارت حولها شبهات تدل على إمكانية المؤامرة من بينها حادث طائرة بان إم الأمريكية التي انفجرت فوق قرية لوكربي باسكتلندا واتهمت فيها ليبيا. وحادث الطائرة الهندية التي سقطت في المحيط الأطلسي، وحادث 11/9 الذي تعدت آثاره حقل الطيران إلى ما هو أبعد بكثير في المنظور الجيوإستراتيجي العالمي. وحادث الطائرة المصرية بعد إقلاعها من مطار كيندي بنيويورك بنصف ساعة تقريبًا، ومن بين ركابها ما يزيد على ثلاثين عسكريًا مصريًا عائدون من رحلة تدريبية في أمريكا.
هذه الأمثلة وغيرها تحمل شكوك المؤامرة، ولكن الأدلة على ذلك تبقى في طي الكتمان. وحتى يتم العثور على حطام الطائرة الماليزية ستظل في قائمة الشكوك التي تعكس نظرية المؤامرة.. والله أعلم.