وانقشعت غُمة المحروسة

وانقشعت غُمة المحروسة
لا يختلف اثنان على المكانة التي تحتلها مصر في مُحيطها العربي والمتمثلة في الثقل السياسي والعسكري الذي يُعوَّل عليه كضمان لقوة العرب في وجه التكتلات التي تظهر هنا وهناك ومتمركزة حول المصالح الذاتية لكل بلد ، وتخدم التوجهات التي يحملها الفكر السياسي لقادته ، ومهما برزت الأصوات النشاز حول خفوت الدور المحوري لأرض الكنانة فإنها تبقى في مهد النسيان كردود أفعال سطحية وساذجة دافعها مكشوف ، وهدفها خبيث ؛ بينما الواقع يلفظ هذه التُرُّهات التي استندت إلى تداعيات أحداث ' وقتية ' مرت بها مصر ، ولم يدر في خلد من استغل هذه الظروف أن رجالات مصر لن يرضوا بأقل من المكان الذي احتلته بجدارة على مدار سبعة آلاف سنة خلت . لقد أثبتت الأحداث منذ تصحيح مسار الثورة التي أبعدت الفاشية الإخوانية عن مقاليد السُلطة ، وقادها الرئيس المُنتخب عبد الفتاح السيسي إبان عمله قائداً للقوات المُسلحة أن رجال مصر الأحرار لن يرضوا بأن تكون بلادهم تابعة ومُنفذة لأجندة يحكمها فكر غير وطني تتوزع تَرِكَتِه المُهترئة بين عدد من الدول يرضخون جميعهم لبركات مرشدهم المُلهِم ويتحركون وفقاً لتوجيهاته المُنزَّهة عن كل خطأ ، عندها تحرك ' السيسي ' على الرغم بأن الإخوان هم من نصبوه قائداً للقوات المسلحة في خطوة لم تكن عشوائية منهم ، بقدر ما كانت مدروسة ، فمنذ تسلمهم للحكم بدأوا بتصفية ما أسموه ' بفلول النظام البائد ' وفي مُقدمتهم المُشير الطنطاوي ومعاونه سامي عنان ، وتم اختيار السيسي لأنهم ظنوا انه امتداد لفكرهم الموبوء ، ولكنها الوطنية عندما تتجلى في أعلى درجاتها تتساقط أمامها كل الانتماءات الجانبية المرتكزة على تقديس الأشخاص وتأليه الأتباع ، وهذا ما شَعُرَ به السيسي وحاول جاهداً ثني قيادات الإخوان عن المُضيِّ قُدماً في هذا المسار الذي لا يخدم المصالح العُليا لمصر ، بقدر ما يؤدي إلى خطفها من مُحيطها العروبي والزَّج بها في متاهات لم تكن يوماً من الأيام تعكس أخلاقيات المواطن المصري البسيط ناهيكم عن توجهات قياداته المتتابعة على مر القرون ؛ فكان لابد من اتخاذ قرار مصيري يحفظ انزلاق البلد إلى الهاوية ، وهذا ما فعله السيسي الذي أصدر قراره التأريخي بعزل الرئيس المنزوعة صلاحياته في الأصل والحاكم بأمر المرشد لجماعة الإخوان ، وتسلُّم زمام السلطة لحين إجراء انتخابات تأتي برئيس وطني لا رئيس مؤدلج . وبناءً على ما سبق فإن تقدير النُخب السياسية والشعب المصري لموقف قائد القوات المُسلحة ودعمه في رحلته الانتخابية التي أوصلته لسُدَّة الحُكم أقل ما يُقدَّم لرجل حَفِظَ لوطنهم كرامته ، وأعاد هيبته ، وأرجعه لحُضن وطنه العربي الكبير الذي كاد أن يفقد مصدر حنانه ، ويُدخلَه في صراعات أيدولوجية لا تخدم تطلعاته المُستقبلية ، بل تؤخر ميكنة تحركاته باتجاه إعادة صياغة مواقفه حول الكثير من التغيُّرات الإقليمية والدولية التي خلَّفتها تداعيات الربيع العربي الأسود الذي أسس لظهور تكتلات إقليمية بل ودولية على حِساب المصالح الوطنية الداخلية للوطن ؛ وما يحدث في سوريا شاهد إثبات على مثل هذه التعاطيات السلبية التي يرتكبها في حماقة القادة المُضمخون بدماء شعوبهم ، والمتآزرون مع داعميهم من الخارج – فقط – من أجل ديمومة حكمهم ، ولكن لن يتركهم التأريخ بمنأى من تسطير ما يقومون به في حق وطنهم وشعبهم بمداد من سواد تتناقله الأجيال وتُثبته تراتيل السِيَر والأخبار . خالص التهاني نزفها للشعب المصري الشقيق الذي أثبت عمق خبرته ، وبُعد نظرته في اختيار الأصلح لقيادته في مرحلة تُعد من أصعب اللحظات التي يمر بها للخروج من نفق التبعية والشتات إلى ميدان الحُرية والتآلف .

أخبار ذات صلة

«اسحب على الجامعة يا عم»!!
حكاية مسجد في حارتنا..!!
شر البلية ما يُضحك
أطفالنا والشاشات
;
الرد على مزاعم إسلام بحيري في برنامجه إسلام حر
السعودية ومرحلة الشراكة لا التبعية
جلسات علمية عن الخلايا الجذعية
الشقة من حق الزوجة
;
المزارات في المدينة المنوَّرة
خطورة المتعاطف المظلم!
خطورة المتعاطف المظلم!
لماذا يحتاج العالم.. دبلوماسية عامة جديدة؟!
أدب الرحلات.. والمؤلفات
;
كيف نقضي على أساليب خداع الجماهير؟!
المتقاعدون والبنوك!!
د. عبدالوهاب عزام.. إسهامات لا تُنسى
فلسفة الحياة.. توازن الثنائيات