تقييم أداء المتحدث الرسمي الحكومي
تاريخ النشر: 09 يوليو 2014 04:53 KSA
كتبت قبل أشهر مقالاً بعنوان “معاناة المتحدث الرسمي الحكومي” أشرت فيه إلى الأهمية القصوى لهذه الوظيفة وتزايد الحاجة لها بشكل كبير خلال السنوات الماضية نتيجة للانفتاح الإعلامي سواء على الانترنت أو الفضائيات والتي أبدت اهتماماً مكثفاً بقضايا الرأي العام والحاجة لتعزيز الشفافية ومواجهة الشائعات والعرض المنصف للمنجزات.
ومؤخراً قمت بإلقاء محاضرة ضمن ورشة عمل “المتحدث الرسمي والإعلام الجديد” التي نظمتها وزارة الثقافة والإعلام ووجهت فيها الدعوة لأكثر من ١٥٤ جهة حكومية إضافة إلى جميع وسائل الإعلام. ورغم أن عدد الحضور كان حوالي ١٤٠ شخصاً، إلا أن هذا الرقم لا يعتبر مرضياً، فهو يشمل إجمالي المشاركين من طرفي المعادلة المعنيين وهما المتحدثون الرسميون والصحفيون.. وكلاهما كان تمثيلهما في الورشة ضعيفاً.
لنبدأ أولاً بالصحفيين -وهم الطرف دائم الشكوى من غياب المتحدثين الرسميين وصعوبة الوصول إليهم- فهؤلاء كان حضورهم متواضعا إذ لم يتجاوز ٢٧ صحفياً وصحفية يمثلون حوالي ١١ مؤسسة إعلامية.. وهناك فضائيات وصحف ورقية وإلكترونية غابت تماماً عن الورشة رغم كونها فرصة لا تتكرر كثيراً للاجتماع تحت سقف واحد مع المتحدثين الحكوميين والتعرف عليهم عن قرب وتجسير الفجوة معهم وجهاً لوجه.
المتحدثون الرسميون أيضاً كان حضورهم ضعيفاً حيث غابت كثير من الجهات الحكومية رغم أنها جهات خدمية تعج وسائل الإعلام بأخبارها وانتقادها بشكل مستمر. جهات حكومية أخرى تغيب متحدثوها الرسميون عن الحضور واكتفوا بإرسال مندوبين عنهم وهذا أيضاً غير مقبول خاصة أن كثيراً منهم يرددون دوماً افتقارهم للدورات والبرامج التدريبية، كما أنهم يشكون أيضاً من عدم مهنية الصحفيين وتركيزهم على السلبيات وصعوبة التفاهم معهم.. الغياب غير المبرر لهؤلاء المتحدثين عن حضور مثل هذه الورشة يضعف كثيراً حجتهم.
الملفت حقاً بشكل يستحق الإشادة هو تواجد وزارة التربية والتعليم والتي حضر منها ١٥ شخصاً من مختلف المناطق وهذا يعكس اهتمام الأمير خالد الفيصل بالإعلام وجديته حيال تدريب وتطوير أداء موظفي وزارته، ليس فقط في المدن الكبرى ولكن في جميع المناطق مثل الليث والزلفي ومهد الذهب وشقراء وغيرها والتي حضر منها مديرو ادارات الاعلام والمتحدثون الرسميون للوزارة بتلك المناطق.
تواجد القطاعات العسكرية المختلفة كان ملفتاً أيضاً سواء من حيث العدد أو المستوى، ومن تلك القطاعات وزارات الداخلية والدفاع والحرس الوطني والمتحدثون الرسميون للدفاع المدني والشرطة وحرس الحدود والجوازات ومكافحة المخدرات.. الجهة التي لم ألاحظ تواجدها هي المرور رغم أنها من أكثر الجهات التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر وتتعرض باستمرار للانتقاد الحاد من وسائل الاعلام.
التفاعل والنقاش أثناء وبعد المحاضرة كشف بدوره أن بعض الجهات الحكومية لازالت غافلة عن أهمية المتحدث الرسمي، حيث عين بعضها أشخاصاً ليس لديهم الوقت أو الاهتمام بهذه المهمة الحساسة، وأهملت جهات أخرى متابعة أداء متحدثيها وتحفيزهم وتدريبهم وتوفير الظروف الملائمة لهم لأداء عملهم. زيارتي العشوائية لبعض صفحات المتحدثين الرسميين على تويتر أظهرت اختفاء شبه تام لأي تغريدات ذات علاقة على بعض صفحاتهم، في حين تضمنت صفحات أخرى أخطاء أساسية تظهر حاجتهم الماسة لمزيد من التدريب والتوجيه، كما تظهر من ناحية أخرى تقصير الجهات التي يعملون بها في متابعة أدائهم وتطوير مهاراتهم.
لا أعرف ماذا تريد بعض الجهات الحكومية لتولي وظيفة المتحدث الرسمي الاهتمام المطلوب، فقد تضررت بلدنا بشكل واضح ولا زالت تتضرر من الإشاعات والتأليب والتهييج الناتج عن غياب المعلومة والتقصير في إبراز الإنجازات التي اختفت خلف أمواج الانتقادات والتركيز على السلبيات وفقدان الشفافية والوضوح؟
لا أعرف ماذا تريد تلك الجهات لتولي هذه الوظيفة ما تستحقه من اهتمام بعد أن صدرت حولها ثلاث قرارات على أعلى مستوى تطالبهم بذلك بدءًا بالأمر الملكي رقم ١٠٢٤٥/م ب وتاريخ 17/8/1426هـ الذي طالب الجهات الحكومية بالرد على ما ينشر في وسائل الاعلام من مغالطات في وقته.. ثم الأمر الملكي رقم ٤٢٢٨٣ وتاريخ 27/9/1432هـ الذي عاود التأكيد على ضرورة التفاعل والرد على وسائل الإعلام مشيراً إلى أن سكوت الأجهزة الحكومية عن الاتهام والنقد يعني الإقرار بها.. ثم أخيراً قرار مجلس الوزراء رقم ٢٠٩ وتاريخ30/6/1433هـ الذي أكد مجدداً بمزيد من الاسهاب على القرارات السابقة ووجه بضرورة تعيين متحدث رسمي لكل جهة حكومية وفتح قنوات تواصل وتعاون مع وسائل الاعلام والرد على جميع أسئلتها واستفساراتها. أعتقد أن تسع سنوات هي فترة أكثر من كافية للبدء بتقييم أداء الجهات الحكومية بهذا الخصوص سواء من حيث تطبيقها لتلك القرارات الهامة، أو من حيث مستوى أداء متحدثيها.