غابة خيرة.. ملتقى شلالات الجنوب
على الطريق السياحي شمال غرب الباحة تقع قرية خيرة بمحافظة المندق بالقرب من غابة الزرائب، ومنها تشق شلالات المياه العذبة المتلألئة سفوح جبالها المرتفعة التي تعانق سماء الباحة، لتنحدر مئات الامتار في منظر خلاب، يشكل لوحة فنية طبيعية بديعة، وتتجمع هذه المياه المتدفقة اسفل الوادي لتعبر طريقها بين الصخور والأودية في جداول غناء، وعلى ضفافها أشجار العرعر النادر والزيتون البري وزقزقات طيور القمري والحجل. «المدينة» جالت بقرية خيرة، حيث التقينا بالعم صالح أحمد الزهراني 80 عامًا -من أهالي القرية- الذي تحدث عن القرية قائلا: «أن (خيرة) من القرى التي حباها الله جمال الطبيعة ووفرة في المياه، ويبدو أن اسم القرية اشتق من كثيرة الخيرات ووفرة المياه»، وخيرة في معجم لسان العرب من «الخَيْر»، وخَيَّرَهُ: فَضَّله وجمع خَيْرَةٍ، وهي الفاضلة من كل شيء وقال العم صالح: حفاظًا على استمرار جريان المياه وتدفقها وحرصًا من المزارعين على حماية مزارعهم ابتكر الأهالي بناء مجارٍ للمياه تحت الأرض وهي سراديب يسميها الأهالي «دبل»، تصل من أعلى الجبل وحتى أسفل الوادي بطريقة هندسية فريدة تشق المدرجات الزراعية يصل طول بعضها إلى 100 متر تقريبًا، وعرضها حوالى 1 متر، وفي أعلى كل مدرج زراعي يوجد حوض لتجميع المياه وسقاية المزرعة تعرف بـ»الكضامة»، وفي حال الانتهاء من السقاية يتم تحويل المياه عبر المجاري الأرضية للوادي الذي يليه حتى يصل المياه إلى قعر الوادي وتصب في بئر تسمى «القلت» وهي بئر طبيعية ذات تجاويف صخرية عميقة ناتجة عن عوامل التعرية ولم يتدخل البشر في بنائها وينحدر إليها أكبر وأطول شلالات المنطقة الجنوبية دائمة الجريان وتقل جريانها مع انقطاع الأمطار تعطي الزائر لوحة بانورامية لتضفي متعة بصرية فريدة، وأضاف العم صالح: حاول الأهالي في الماضي معرفة عمق البئر بإنزال حبال إلا أنهم لم يتمكنوا من ذلك لعمق البئر واتساع قطرها كما أنها تفيض بالمياه على مدى السنين، كما قامت مديرية المياه بإنشاء سد وادي العامر أسفل الوادي ويجمع في حوضه الممتلئ فائض المياه المتدفقة ليضفي على المكان روعة أخرى، مشيرًا إلى أن قرية خيرة وغاباتها وشلالاتها تنتظر رجال الأعمال والمستثمرين من أبناء المنطقة لبناء منتجعات سياحية ومطاعم فاخرة ومطلات على حوض السد وأمام الشلالات المتدفقة. زراعة وصناعة اشتهر أهالي خيرة بزراعة الحنطة والشعير والبلسن والذرة والرمان والعنب والتفاح وعادة ما يضع أصحاب ومربو النحل مناحلهم على صدور جبالها لتوفر الغطاء النباتي وتنوعه ووفرة المياه ويجنون انواعًا مختلفة وذات جودة عالية من العسل الجبلي. فيما قال عامر الزهراني يكثر بغابة خيرة أشجار العرعر دائم الخضرة والزيتون البري «العتم» حيث كان الناس في الماضي يستخدمون أشجار العتم في أعمال النجارة وصناعة الهراوات والعصي وعمل دعائم لبناء المساكن القديمة لقوته وصلابته ويستخرج منه القطران الذي يتم طلاء المواشي به ضد بعض الأمراض كما يستخدم القطران للأواني المنزلية التقليدية القديمة ويستفاد منه في العلاج أحيانًا ويمكن أن يكون رافدًا اقتصاديًا وسياحيًا في حال قامت الجهات المعنية بتلقيح الزيتون البري وإعادة النظر في الاستفادة من زيت القطران المستخرج منه وتسويقه، وقال عبدالله الفهمي الزهراني: إن وداي خيرة أكثر الوجهات السياحية التي يقصدها محبو وعاشقو الطبيعة البكر، ويُعرف الوادي بأشجاره الظليلة ومياهه العذبة الجارية وتلاله الخضراء التي جعلت منه المكان المُحبب لأبناء منطقة الباحة واللافت في القرية التقنيات الحضارية القديمة التي استخدمها الأهالي في بناء ممرات المياه من تحت الأودية وبأطوال مختلفة غاية في الإتقان والإبداع مضيفًا: انه بامكان امانة الباحة عمل شلال صناعي من اسفل بئر القلت الى اعلى الجبل لضمان استمرارية الشلالات وتدفقها طوال العام لافتًا أن الأمانة بدأت بتجهيز الغابة بالمظلات وإيصال الطرق إلى أسفل الوادي إضافة إلى إنارة كامل الطريق وكثيرًا ما تحظى شلالات خيرة بزيارات سياح ومصطافين من دول الخليج وعدد من المسؤولين من الداخل والخارج. دعم السياحة وقال الروائي والقاص جمعان الكرت: لا يمكن للسياحة أن تُحقق كعبًا عاليًا في سلم النجاح إلا بعد أن تتطابق أضلاع مثلث النجاح، أولها المواطن ودوره الفاعل في تنمية السياحة ورجال الأعمال وغيرهم بما اكتسبوه من مال ومن وعي عن السياحة وأهميتها في التنامي الاقتصادي والثقافي، وخلق فرص عمل لشريحة واسعة من الشباب، ويكون دورهم بالمساهمة الفاعلة في إنشاء المشروعات السياحية من فنادق ومنتجعات ومطاعم وغيرها، أما الضلع الثالث فهو الإدارات الحكومية ذات العلاقة المباشرة في توفير المشروعات الخدمية وما يجب عليها أن تقوم به في دعم السياحة من خلال إنشاء الطرق الواسعة والحدائق والملاهي، إذ لا يمكن أن تنتعش السياحة دون طريق سهل ومرصوف ومضاء ولكون غابات الزرائب اكتشاف سياحي جديد تحتاج إلى التفاتة من المعنيين سواء جهات حكومية أو رجال أعمال فإن ذلك الموقع السياحي حفي بالاهتمام وذلك بإنشاء منتجعات سياحية وفنادق وعربات معلقة وخدمات أخرى يحتاجها السائح كالمطاعم والملاهي عندها ستكون غابة الزرائب واحدة من أهم المواقع السياحية في المنطقة الجنوبية بكاملها حيث تشكل الغابات مساحة واسعة تغطي سفوح وقمم الجبال في أشكال بانوراميه مدهشة ويزيد من جمال المكان وجود الشلالات المائية التي تُشنف الأسماع بسيمفونية تطرب الروح وتريح النفس والجسد. منتجع سياحي من جهته أكد المدير التنفيذي لفرع الهيئة العامة للسياحة والآثار بمنطقة الباحة المهندس منصور الباهوت أن الهيئة أعدت مخططات ودراسة متكاملة وشاملة للغابة لإقامة منتجع سياحي كبير يشمل مطاعم ودور إيواء وفندق وملاهٍ وهي جاهزة الآن للمستثمرين بالإضافة إلى تعاوننا الدائم والمستمر مع أمانة المنطقة ومديرية الزراعة، مشيرًا إلى أن غابة خيرة تمتاز بطبيعة خلابة وغطاء نباتي كثيف ومتميز، وكشف المهندس الباهوت عن توجيه أمير الباحة بتشكيل لجنة مكونة من الهيئة العامة للسياحة والأمانة ووزارة المياه والدفاع المدني لعمل رؤية مستقبلية لاستغلال أحواض السدود لدعم سياحة الباحة وعمل منتجعات ومطلات سياحية جاذبة.