المليارات الهاربة.. خرجت من بلدانها ولم تعد بعد
تاريخ النشر: 18 يوليو 2014 04:45 KSA
علّمتنا الحياة من خلال سلوكنا البشري، أن نرى كل جهة تحفظ السر، ولا تذيع ما يُرغب في كتمانه، جديرة بالثقة والاحترام، وهذا ما اعتمدته إدارات بعض المصارف في العديد من الدول، ورفعته شعارًا لسياستها المصرفية، وهدفًا لخدمة مصالحها، فسخّرته بذكاء بالغ لاجتذاب رؤوس الأموال التي تبحث عن السرية، وبنفس القدر أدرك المُتهرِّبون من الضرائب والذين أعجبتهم هذه السياسة، ووجدوا فيها ملاذًا آمنًا لأموالهم، فتدافع المُودعون زرافاتٍ ووحدانا مؤسساتٍ وأفرادًا، لتلك المصارف لينعموا بسياسة السرية التي تتبعها، ومن تلك الدول التي عُرفت بسرية تداول المعلومات (سويسرا ولينجشتاين وسان مارينو وموناكو وأندورا) التي استقبلت مصارفها تلك الأموال الهاربة من الضرائب بصورة غير شرعية، الأمر الذي أزعج دولاً أوربية مثل (فرنسا وإيطاليا وألمانيا)، وبتفاقم وتيرة القلق شرعت حكوماتها فعلاً لإيجاد حل منطقي عبر مشروع عملي مشترك، يتخذ قرارًا يتضمن عفوًا ضريبيًا على كافة الأشخاص والمؤسسات، التي تستجيب للنداء لإعادة رؤوس الأموال الهاربة من تلك المصارف، مع تعهد بعدم ملاحقتهم قانونيًا، وعدم فرض رسوم قاسية ومجحفة عليهم، علمًا بأن الأموال الهاربة من الضرائب تبلغ حسب الإحصائيات (ألف وخمسمائة مليار يورو) وهكذا مثل محور التهرب الضريبي أهمية قصوى، وكان حاضرًا في القمة الأوروبية التي عقدت في بروكسل، ونظرًا للضغوط المتواصلة من الاتحاد الأوروبي ومجموعة العشرين، استجابت (النمسا ولوكسمبورج) للمشروع، وأعلنتا إلغاء سياسة سرية المعلومات المتبعة في بنوكهما، وعزمهما على تطبيق نظام التبادل التلقائي للمعلومات المصرفية، وبما أن التهرب الضريبي مصطلح يعني: «إيجاد الملاذ الآمن للأموال وإخفاء كل معلومة عنها، بقصد الحد من قيمة الضرائب»، ظلت تلك البنوك تقدم تقارير كاذبة، تحتوي على أرقام بأرباح غير صادقة عن واقع قيمتها، وهذه الخدمة السرية تضمن بقاء تلك المصارف نامية ومنتعشة ماليًا، ولكن في حالة تنازلها عن هذه السياسة، وتطبيقها لنظام التداول التلقائي للمعلومات، واستجابتها للبرنامج الأوروبي الذي يرمي لاقتلاع تلك السياسة من جذورها، قطعًا سيفقدها بالضرورة ثقة المتهربين من الضرائب، حيث إنها لم تعد ذلك الملاذ الآمن لأموالهم، فسحب أموالهم منها يعني إفلاس إمارات أوروبية كانت مستفيدة من سياسة السرية مثل: (ولينجشتاين وسان مارينو وموناكو وأندورا) وهذا المصير سيُصعِّب من نجاح تلك المساعي، التي تطالب بتنازل المصارف التي اعتمدت هذه السياسة، حيث إنها تدرك خطورة ما يترتب على تنازلها من احتمالات مخيفة أولها الإفلاس، فهل ستفلح المساعي والإغراءات الأوروبية المطروحة من تجريد تلك الملاذات من أهم سلاح لديها، ذلك السلاح الذي تحافظ بفضله على امتيازاتها المالية وقوتها الحالية؟ في الواقع تصعب الإجابة على هذا السؤال، لأن تلك المصارف لو فعلت، فالنتيجة الأكيدة أن تلك الإمارات الأوروبية ستدفع الثمن باهظًا.