عندما يتقن الصغار لعبة عنف الكبار
تاريخ النشر: 01 أغسطس 2014 04:28 KSA
كشفت وسائل الإعلام في لبنان مؤخراً عن حدث على تويتر يظهر فيه طفل صغير لا يتجاوز عمره الخمس سنوات يمسك بيده عصا وينهال ضرباً على فتى أكبر منه بقليل ،بتحريض من أحد اقربائه من البالغين في العمر فيما كان راشد آخر يتولى تصوير هذا المشهد المؤلم بكل أعصاب باردة .
وتوالت في اليوم التالي تحليلات علماء النفس التي توقعت أن يترك الحدث أثراً نفسياً كبيراً على المعتدى عليه كما سيكون له انعكاسات أكبر على الطفل المعتدي لأن الروح العدوانية ستتجذر فيه وستصبح جزءاً هاماً من تكوينه البسيكولوجي ، كما ستخلق لديه دوافع شبه دائمة لكي يقوم بفعل العنف دون حاجة الى تبرير فعلته .
ولو انتقلنا الى مشهد آخر في سوريا أو تونس أو ليبيا او العراق او اليمن للاحظنا أن الأطفال لا يجيدون سوى لعبة ممارسة الحرب في أزقة منازلهم أو اثناء خروجهم من مدارسهم أو في الأعياد والمناسبات العامة .
وهذا يعني أن العالم العربي على موعد بعد عقد أو عقدين من الزمن مع جيل صاعد لا يتقن إلا لغة العنف والحرب والقتل والدمار دون أن يفقه أي شيء عن المحبة والتسامح والعدالة والإخاء .
وطبعاً المسؤول الأول هم الأهل الذين إما يدركون خطورة ما يربون عليه أولادهم مما يعني انهم يتعمدون قتل البراءة لدى أطفالهم ظناً منهم أن الرجولة في أن يقهر اولادهم الآخرين مظلومين كانوا أو ظالمين . وهنا يحضرني مثل عربي يتغنى به الكثيرون ويقول : انصر أخاك ظالماً أم مظلوماً .
وقد يكون الأهل لا يدركون مخاطر تربية أولادهم على ممارسة العنف ، وهنا تصبح المصيبة أكبر لأنه من غير المعقول على أي مجتمع أن يعيد تربية الأهل من اجل أن يربوا أولادهم بشكل صحيح .وهناك مسؤولية أخرى تتحملها المدارس وجمعيات التوعية الاجتماعية والهيئات المعنية بالتوجيه والترشيد وكذلك المعلمون والمربون وأئمة المساجد لأنه من غير المعقول ان لا يكونوا متنبهين لخطورة ما ينشأ عليه الأطفال ، وما لتصرفاتهم من انعكاس سلبي على المجتمع وعلى الوطن.
وتتحمل وسائل الإعلام مسؤولية لا يستهان بها لأنها تتعمد نشر الصور العنفية المرتبطة بالحروب والنزاعات ظناً منها أنها تقوم بسبق صحفي ، كما انها لا تخصص من ضمن برامجها المتعددة أي حلقات لمناقشة العنف ولتوعية الأطفال والأهل وكأن الثقافة ممنوعة في العالم العربي أو وكأن العالم العربي وجد من أجل ان يخرج من دوامة عنف ليدخل في أخرى.
اما الحديث عن 'أبطال العنف' الحقيقيين ممن يتباهون على وسائل التواصل الاجتماعي انهم قادرون على قطع الأعناق وبتر الأيدي أو ممارسة الإعدام بالرصاص بذريعة انهم ينفذون حكماً الهياً وصل اليهم عن طريق أمير تنظيم أو عن طريق قائد ملهم استطاع ان يجمع حوله عدداً من الجهلة بعد أن شوه أمامهم حقيقة الإسلام الحنيف وابتدع احاديث نبوية لم تكن موجودة أو سمح لنفسه باختراع تأويلات وتفسيرات ليس لغاية سوى تحقيق مكاسب ومنافع شخصية ..ان الحديث عن هؤلاء ' الأبطال ' أمام اطفالنا جريمة لا تغتفر لأنهم المسؤولون أولاً وأخيراً عن أزمات أولادنا النفسية والاجتماعية ، ونسأل الله أن يهديهم صلاح السبيل ليس خوفاً عليهم بل خوفاً على أولادهم لكي لا يسيروا مسارهم .