مجبرٌ أخاك لا بطل
تاريخ النشر: 13 سبتمبر 2014 05:01 KSA
طالعتنا الصحف المحلية مؤخراً بخبرٍ مفاده، أن الشرطة السعودية تمكنت من القبض على 400 شخص دخلوا البلاد في هجراتٍ غير شرعية، ويُقصد بهذا النوع من الهجرات مغامرات أولئك الذين يدخلون البلد بطرقٍ غير قانونية، ثم تبدأ مرحلة تخلفهم وبقائهم بطرقٍ لا يقرها النظام، والقائمة من المخالفات تطول حول الذين آثروا البقاء بعد استيفاء مدة تأشيراتهم، والذين يعملون بصفةٍ غير قانونية، فتسمية من تم إيقافهم بالمهاجرين غير الشرعيين واعتبار وجودهم غير نظامي ولا قانوني، تأسس نظراً لعدم حوزتهم على أوراقٍ قانونية ومستنداتٍ ثبوتية حيث دخل بعضهم خفيةً تهريباً كمتسللين عن طريق مهربين أو عصابات تهريب تخصصت في الاتجار بالبشر، ولا يهم تلك المليشيات ما سيُواجهه المُهَرَّبُون المُغرر بهم من مغامراتٍ تحُفها المخاطر من خلال رحلاتهم غير الآمنة، والتي يتنقلون فيها عبر الصحارى والجبال والسهول والوديان ثم على زوارق الموت الخالية من مقومات السلامة والأمان، فإن وصلوا سالمين أو لم يصلوا، هذا لا يعني مُهربهم في شيء، بقدر ما تعنيه المبالغ التي سيتقاضاها من ضحاياه الذين غالباً ما ينتهي بهم المطاف إلى نفقٍ مظلم، فهذا درسٌ عسى أن يتفهمه من يفكرون في مغامراتٍ مماثلة، ولعلهم يعيدون حساباتهم واللبيب من اتعظ بغيره.
أليس غريباً أن يُعرض الشخص نفسه وأطفاله لمصيرٍ مجهول ومستقبل مظلم؟ بلى هذا ما يُحيرُنا! ولكن بدراسة أسباب الإقدام على تلك المغامرة الخطرة، فإننا نجد أحياناً عذراً يبررها، فإذا سألنا أحدهم مثلاً: ما الذي أجبرك على تجرع هذا الكأس المُر؟ ستكون إجابته ما هو أمر منه، كيف لا يهرب أولئك من أعمال العنف والقتل والدمار التي تشهدها بلادهم، وكيف لا يهربون من ذلك الظلم الذي جعل حياتهم في أرضهم جحيماً لا يُطاق، وهذا ما جعلهم يقدمون أنفسهم طائعين مختارين لتجار البشر وكأنهم سلعٌ رخيصة، ومصداقاً لذلك الشعور ما سمعناه مؤخراً من إحباط كثير من الهجرات غير الشرعية على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، من المناطق التي تشهد الصراعات والحروب، قاصدين أوروبا عبر الحدود الجزائرية الليبية، ليتم تسليمهم إلى عصابةٍ أخرى مسلحة لمواصلة رحلة الأحلام، فمن ضمن المهاجرين الذين تم القبض عليهم في دول المغرب العربي عشرات الأطفال والنساء، باعتبار أن تلك الدول نقاط عبور نحو السواحل الأوروبية، علماً بأن غالبيتهم أفارقة.
إن ظاهرة الهجرة غير الشرعية استفحلت وأصبحت تمثل خطراً عظيماً على المهاجرين في رحلتهم المحفوفة بالمخاطر، على البحر الأبيض المتوسط، فبعد أن بدأت تلك الظاهرة تمثل مشكلة حقيقية اعتزمت الدول المعنية وضع قانونٍ حازم وتشريعاتٍ رادعة، لكل من يقدم على دخول معترك التهريب والهجرة غير الشرعية من أولئك المُغرر بهم، حتى تتمكن تلك الدول من تحجيم جرائم المليشيات التي تتلاعب بأرواح الناس وتضييق الخناق عليها، وكان الأولى بهؤلاء المخاطرين بحياتهم وحياة أسرهم، أن يعلموا أنهم ليسوا ممنوعين عن الهجرة، ولكن يُفترض أن تكون منظمةً بعقلٍ وتدبير، فبابها مفتوحٌ ولكن للداخلين بطريقةٍ شرعية دخولاً يضمن لهم كرامتهم ويحمي أرواحهم ويحفظ لبلاد المهجر التي اختاروها حقها باحترام قوانينها ونظمها، وعذراً للذين غادروا أرضهم مغصوبين ومجبرين، وهم يبحثون عن الأمان بأسلوبٍ ينقصه الأمان، بينما ينظر إليهم العالم بعين الإشفاق ويدرك أن واقعهم الأليم يجعلهم يفكرون في مخرجٍ ربما لا يكون موفقاً، عند ذلك سيكون هذا المغلوب على أمره (كالمستجير من الرمضاءِ بالنار) فلا توجد جهةٌ ترضى بالفوضى وتقابل المهاجرين غيرالشرعيين بالأحضان.