موتُ داعش حياةٌ للسلام
تاريخ النشر: 16 سبتمبر 2014 01:20 KSA
إن كلَّ عربيٍّ حريص على عروبته، وفخور بانتمائه، وكلّ مسلمٍ غيورٍ على دينه، محبٍّ لخير أمةٍ أُخرجت للناس، يحزنُ كثيرًا على ما آل إليه حالُ الأمن والسلم والتسامح، ويأسى كثيرًا لما أفرزته الأجواء المضطربة التي يشهدها العالم العربي من وجهٍ جديدٍ للإرهاب، يتمثل في المنظمات المتطرفة، والجماعات الضالة، والأفكار الفاسدة، والروح البعيدة كل البُعد عن حقيقة ديننا الحنيف، فالله تبارك وتعالى جعل الإسلام دين الرحمة والمودة، ليخرج به الناس من الظلمات إلى النور، واختار لتبليغه الصادق الأمين خاتم المرسلين ورحمته جل وعلا للعالمين، اصطفاهُ من عباده طاهرًا حليمًا، فما كان فظًّا ولا غليظَ القلب كما يفعل الداعشيون الآن، الذين ما تركوا لمناصرتهم مجالاً، ولا لتأييدهم سبيلاً، فالإسلامُ بريءٌ منهم ومن أمثالهم من المتطرفين الضالين، فلو سلكوا طريق الحق لارتفع بهم عن هذا الدرك السحيق، وسما بهم من هذا الوضع المشين، فالإسلام ليس كما يرى الداعشيون وأشباهُهم، فالإسلام يسمو بالمسلم قامة، ويعلو به مقامًا؛ لأنه مُهذِّب الروح، والداعي لأفضل الأخلاق، والنائي بأهله عن مواطن الغلو والتطرّف، ولكن الداعشيون عكسوا الصورة وأعطوا عن الإسلام انطباعًا لا يليق به، وشوّهوا حقيقته الباهية والزاهية بجرائمهم المخزية وتصرفاتهم المحرمة شرعًا وقانونًا، ولمّا كان العالم يأمل عودة هؤلاء الضالين إلى الصواب، وأوبتهم لجادّة الطريق، ظنوا أنهم قادرون على قهر العالم أجمع، وأنه لا يوجد على وجه البسيطة من يقهرهم، وما علموا أن العزم موجود، وعلاج كل داءٍ مرصود، وأن للصبر حدودًا، فقد نفد الصبر، وحان وقت العلاج من هذا المرض العضال، وآن الأوان لأولي العزم من عباد الله أن يقوموا بواجبهم، وبهذا الفهم كان الاجتماع الأمريكي العربي التركي في جدّة، لإيجاد الصيغة المناسبة لكيفية المكافحة، وتشكيل التحالف الملائم لمواجهة الحالمين بالدولة الإسلامية المزعومة في بلاد الشام وأرض الرافدين، فالدنيا بأجمعها تنتظر ما يتمخض عنه هذا اللقاء الوزاري الهام، والذي تشارك فيه دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى لبنان والعراق والأردن ومصر وتركيا، بمشاركة وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، فلقاء بهذا الحجم يعول عليه كل عربي وكل مسلم الكثير من التطلعات، ويعلقون عليه أكبر الآمال، فلا بد أن تنفيذ توصياته سيكون مؤكدًا وقريبًا جدًّا -بإذن الله- فقد اكتوى بنار هذا التنظيم الفاسد، وتجرع ويلاته الكثيرون، وليتم قطع دابره، واستئصال أفكاره المريضة إلى الأبد، فلا بد من قيام ائتلافٍ قوي يضعُ النقاط على الحروف، ويطمئن عباد الله من قلقٍ وخوفٍ، ويؤمن على الضربات العسكرية الموجعة التي تقضي على ذلك التنظيم البغيض، لتكون عبرةً ودرسًا حقيقيًّا للمنظمات الإرهابية المماثلة الأخرى.
من المؤكد جدًّا أن يثمن العالم موقف المملكة العربية السعودية ملكًا وحكومةً وشعبًا، على المساعي الجادة لرسم لوحةٍ جديدةٍ لعالمٍ خالٍ من كل ما يزعزع أمنه واستقراره، عالمٍ عامرٍ بسائر صور التسامح والمحبة، والتطلع لحياةٍ أفضل، وهذا ما يجسده العهد الزاهر بتوجيهات قائده الفذ الحكيم، وراعي نهضته وأمنه وأمانه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -أيده الله- فهذا الاجتماع المشترك يُعدُّ خير دليل على اهتمامه -أيدهُ الله- بمعاناة الآخرين، وذلك لعدة اعتبارات أهمها ما تتمتع به المملكة من وزنٍ عالميٍّ عظيم، وبتأثيرها الإستراتيجي والاقتصادي الهام، علمًا بأنها أكبر المانحين لمركز مكافحة الإرهاب، بالإضافة لمكانتها الدينية التي تجعلها درعًا واقيًا للإسلام، وحصنًا حصينًا للأمن والسلام.
إن الواقع يفرض على العقلاء أن يجتثوا الإرهاب، ويناهضوا الداعين إليه، ولتحقيق هذا لا بد من تضافر الجهود، وتشابك الأيدي للوصول لهذه الغاية، فليس العالم الآمن اليوم بمعزلٍ عن تسرّب تلك الجماعات الضالة إلى أراضيه، وبث سمومها في أرجائه، كأيِّ وباءٍ إذا دخل أرضًا قلب موازين الحياة فيها، وتحضرني الآن خاطرةٌ ربما خطرت ببال غيري، فبينما كنت مع بعض المعارف والأصدقاء نتجاذب أطراف الحديث عن أمراض العصر وآخرها إيبولا، وبعد أن قتلنا الموضوع بحثًا تحوّل مجرى الحديث إلى الإرهاب، فخطر ببالي حينئذٍ أن ثمة علاقةً قوية تربط بينها فكلاهما وباءٌ خطيرٌ، وداءٌ فتاكٌ لا تتمنى بلدٌ أن يغشاها، وتحاول كل جهةٍ أن تضع لهذه الأوبئة حدًّا، ويعمل كل فردٍ من منطلق تخصصه وإيمانه بضرورة المواجهة والاستئصال النهائي، على أي حالٍ فالأمور تسير في نصابها بتحمّل المجتمع الدولي لمسؤولياته، فسيعقب هذا الاجتماع مؤتمر الأمن بشأن العراق، والذي يتزامن مع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، تلك التحركات يتوقع منها العالم النتائج الباهرة، وبذلك يكون الإرهاب قد تم تطويقه، وسينتصر السلام -بمشيئة الله- ما دام العالم قد عزم على ذلك، فلو تعلقت همة ابن آدم بالثريا لنالها، وعفوًا للثريا التي لا تشبه حضيض داعش.