عابر سبيل
تاريخ النشر: 29 سبتمبر 2014 02:49 KSA
لاشك أن سادتنا الفقهاء ومفكرينا تناولوا فريضة الزكاة وأبوابها الثمانية بالبحث وفصلوا في الحكمة منها وأفاضوا في التأويل والتأليف وإثراء المحاور المختلفة لمخارجها ومن يستحقها ومن لا يستحقها. ولا شك أنه صار معلوماً بالضرورة أن مقاصد الزكاة تستهدف التنمية الاجتماعية كأولوية لدرجة قد يتساءل الناس مع عنترة بن شداد : هل غادر الشعراء من متردم؟ أقول نعم لا يزال مقصد الزكاة خصباً وبكراً ليس لأن الحياة متجددة ولكن لأن متطلبات وحاجة الإنسان مفتوحة على التجديد ومن حسن الحظ أن مفهوم المقاصد من الشمول بحيث يستوعب دائماً أي رأي جديد بل يستدعي التأويل ويشجعه وإن أحكم في إطار مقاصد الزكاة.
ولهذا تتسع الزكاة لمفاهيم جديدة تسمح بتكوين جهاز يرعى حاجة (عابري السبيل) باعتبارهم من مستحقي الزكاة كمستجد فقهي ووجود المستجدات أو النوازل كما يسميها السادة الفقهاء تنشط وتفعيل استنباط الأحكام من دلالاتها ومعانيها وتوظيفها فيما يفيد الفرد والجماعة.. وعابر السبيل جزء أساسي من منظومة مخارج المعادلة الاقتصادية التنموية الإلهية التي تسمى الزكاة الشرعية، وحيث إن هناك دائماً مسافرين وهناك دائما عابري سبيل وهناك دائما طوارئ تحدث لمن هو خارج وطنه أو بعيداً عن مكان إقامته أو من يؤدي حجاً أو كل من يفقد ما لديه.
ما الآلية الإسلامية لانتشال أي من هؤلاء من طارئ جرى له أو لأسرته ؟..وهذا السؤال ينسحب على من يسافر داخل المملكة وخارجها وقد ينطبق على حالات تحدث لأفراد أو أسرة مسلمة تأتي للعمرة أو الحج بغض النظر عن هويتها التي تحملها فمفهوم عابر السبيل لا تحده الجنسيات ولا تقيده الهويات لأن الهوية هنا تتسع اتساع شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
كاتب هذه السطور ليس فقيهاً بالمهنة وإن عرف شيئاً في الاقتصاد، ومهتم بالاقتصاد الإسلامي في منابعه ومنطلقاته الصحيحة ،ولهذا بغض النظر عن وجود حالات تستدعي إنشاء جهاز اقتصادي لرعاية عابري السبيل تظل الحاجة لاجتهاد إسلامي مستنير في أبواب الزكاة الشرعية لابتداع آليات تطبيقية لا تفارق الأصل وتواكب العصر وتلتزم بفقه المقاصد وحيث أن من مقاصد الزكاة عموماً سد حاجة الناس ومساعدة الفقراء وإن أمكن القضاء على الفقر والفاقة الطارئة فإننا ملزمون بالاجتهاد واستنباط الأحكام التي تخاطب واقعنا وعصرنا وحيث أننا مأمورون بالهجرة وبالضرب في الأرض متى استدعت الضرورة أو تبينت مصلحة فإن مفهوم عابر السبيل يحتاج منا لمزيد من الاهتمام خاصة أنه بعد نشوء الدول وقيام الحدود الجغرافية ظل مفهوم عابر السبيل أقل حضوراً وإن ظلت أسئلته ملحة ولهذا علينا التفكر في أبعاده وإنشاء جهاز اقتصادي يشكل وسيلة تسد حاجة وتفيد أصحاب المصلحة كما يمكن التفكير في التخطيط لاستثمار العائد في هذا الباب لصالح مشاريع عابري السبيل كأن يتم إنشاء دور إيواء أو استضافة أو فنادق تستوعب عابري السبيل وفي نفس الوقت يمكن أن تستقبل مستأجرين يحققون عائداً لصالح جهاز عابري السبيل كما يمكن لمفهوم عابري السبيل أن يتسع اقتصادياً ليشمل تشجيع الهجرة الشرعية من حيث التعريف بالمجموعات السكانية المحلية فمن يريد أن يتعرف على مجموعة سكانية أو يقوم ببحث علمي لتعريف الآخر بها يمكن ادراجه في معاني الهجرة المحببة التي تؤدي دوراً وظيفياً تنموياً وإنسانياً فهذا يساعد على دمج المجموعات السكانية عبر التعارف وبتوحيد الوجدان وبما يعزز الاستقرار ويزيل الحواجز المتوهمة أو الحقيقية وفي الأمر متسع.
وحيث يشهد عالمنا اليوم موجة عاتية من الاضطرابات الاجتماعية ومن النزوح الجماعي فإن ذلك قد يدخل اللاجئين في باب عابري السبيل ولا شك أن هذا الأمر صار أكثر إلحاحاً ويجب أن يشارك في سده كل مسلم وهكذا أبواب عابري السبيل تتعدد وتحتاج لعصف ذهني من أهل الفكر الإسلامي ومن الجامعات ومن فقهاء الاقتصاد لاستنباط أحكام تفعّل هذا البعد وتبتدع وسائل فعالة تفيد حياة الفرد المسلم وهو يقلل من تمدد الفقر ومن الحاجة الطارئة أو العابرة للسبيل .