شتان ما بين تجمعٍ وتجمعٍ
تاريخ النشر: 05 أكتوبر 2014 01:56 KSA
تعتبر المملكة العربية السعودية نموذجًا مثاليًّا لتنظيم التجمعات، والشاهد في ذلك تنظيمها الدقيق البارع لمواسم الحج، بالصورة التي تحدث كل عام، وقدرتها المتناهية على استقبال تلك الحشود المليونية في أيامٍ معدودات ومساحةٍ محددة في منى وعرفات، فتلك البراعة مدعاةٌ للفخر تبرز الصورة الرائعة لذلك المشهد، قبل وأثناء تجمع ضيوف الرحمن القادمين من كل حدبٍ وصوب وهم يرددون (لبيك اللهم لبيك) الأمر الذي يعني أن تجمعًا إسلاميًا عظيمًا للشعث الغبر القادمين بالشوق والمحبة أملًا في حجٍ مبرور وسعيٍ مشكور وذنبٍ مغفور بدأت نفحاته، لهذا لا يمكن مقارنته بتجمعاتٍ بشريةٍ أخرى تدور لهدفٍ دنيوي، قد يكون اقتصاديًّا أو اجتماعيًّا أو رياضيًّا، فأيًّا كان توجه تلك التجمعات فهي تحتاج لاستعداداتٍ وتجهيزٍ من البلدٍ المضيف وقد لا يتكرر ذلك التجمع، فأين تلك التجهيزات من استعدادات المملكة للحج، فالمواسم المتعاقبة تعكس علوّ كعب المملكة في هذا المجال، حيث اكتسبت ثقةُ لا حدود لها في تنظيم مواسم الحج، ممّا جعلها مصدر خبرةٍ لا يُشق له غبار، وذلك من نعم الله علينا حيث خصّنا المولى جل وعلا بهذا الشرف العظيم، وشاءت المشيئة الإلهية أن يصطفي الله من بين عباده القائد المؤمن ذا الرأي السديد، والفكر الراجح الحكيم، الذي سخّر كافة الإمكانات دعمًا وتوجيهًا ورعايةً، وهكذا توالت النجاحات التي لا يُمكن إنكارها، فإننا قد حظينا كغيرنا بتنظيم مثل هذه التجمعات والمنتديات والمؤتمرات وغيرها، لذا فإننا لا نستصغر من شأن تلك التظاهرات وما يصاحبها من جهودٍ وتجهيزات، وحاشا أن نبخس أحدًا حقه، ولكن كلما شهدنا ذلك التألق رفعنا الهام فخرًا بالانتماء إلى هذا الكيان الجميل وزهوًا بتميّزنا في تنظيم مواسم ركن الإسلام الخامس، الذي يُعدُّ أكبر تجمعٍ سنوي في العالم، وما يصحب مناسكه من تنظيمٍ راقٍ وخدماتٍ رائعة وتجهيزاتٍ متكاملة أمنيًّا وصحيًّا وخدميًّا، بالإضافة إلى خدمة الترحيل المثالية المريحة، حيث يتفانى أبناء الوطن المضياف في الترحيب بضيوف الرحمن وتقديم أفضل الخدمات لهم، مستمدين قوتهم وعزيمتهم من العناية والعون الإلهي أولًا، ثم من طبع الكرم وخصلة الندى التي جبلوا عليها، بينما تتصدّى الجهات المختصة لتنفيذ الخطة التي رسمها المسؤولون بدقةٍ وعناية، مسترشدين بالتوجيهات الصادرة من مقام خادم الحرمين الشريفين -أيده الله وحفظه ورعاه- فهو القائد المؤمن الذي لم يتردد لحظةً واحدة في بذل الغالي والنفيس، وتقديم كل خدمةٍ تعين ضيوف الرحمن على أداء مناسكهم بسهولةٍ ويسر، ومن مستجدات الأمور التي تستحق الوقوف والإشادة جهود وزارة الصحة المكثفة في الآونة الأخيرة بعد ظاهرة الأوبئة العالمية التي لازمت المواسم الماضية، فمرت بفضل الله بسلام وعاد الحجاج إلى أوطانهم سالمين، فرحلتهم التي كانت بقصد الشفاء من الآثام، شملت أيضًا الشفاء من الأسقام بقدرة خالق الأنام. وتبدو الاستعدادات الصحية لهذا الموسم أعظم، حيث تبدأ بالإجراءات الوقائية من منافذ الدخول وقبل وصول الحجاج للحرم الشريف وذلك لمواجهة وباء الإيبولا، فكما تمت محاصرة الأخطار الماضية صحيًّا، ستتم محاصرة هذا الوباء الخطير بمشيئة الله وعونه، وسيسعد بإذن الله ضيوف الرحمن بإكمال مناسكهم في سهولةٍ ويسر. وقد اغتسلوا من الآثام والذنوب وعادوا إلى بلادهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، هكذا يبقى الحج حلم كل مسلم وأمنية عمره، بدافع الشوق الكبير والإيمان ابتغاء مرضاة الله، وعملًا بقول الحق جلَّ وعلا: (وعلى الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) صدق الله العظيم، فالحمد لله الذي خصّنا بهذا التجمع الكبير وبخدمة ضيوف الرحمن، فشتان ما بين تجمعٍ وتجمع، نسأل الله جل وعلا أن يعين وُلاة الأمر للقيام بمساعيهم المخلصة وسعيهم المستمر لتقديم موسمٍ ناجحٍ بكل المقاييس، ونسأله تبارك وتعالى أن يسلم ضيوفه من كل شرٍ وسوء، وأن يحفظ لنا ويديم على هذه البلاد عزها وأن يجعلها دائمًا منارةً يهتدي بها العالم، وأن يزيد شعبها الأبي سعادةً وخيرًا ورفاهية.