نعمة ونقمة

نعمة ونقمة
(اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطيَ لما منعت) دعاء جامع يكاد يجسد معاني إسلامية اقتصادية وإيمانية فهو يتضمن إقراراً بأن ليس ثمة قوى أخرى غير الله تمكن من المال أو تساعدنا للحصول عليه، مهما كانت معدلات ذكائنا أو كفاءتنا أو حيلنا. ولكن المال امتحان فإما أن يصير نعمة أو نقمة. يكون نعمة باستخدامه لخدمة المقاصد الإلهية الكلية من حيث تنميته لينعكس عملاً صالحاً في ميزان كل من شارك في تكوينه وتنميته من الآباء المؤسسين إلى الذين حافظوا عليه، وحيث أن نعم الله بيده وبقدره وتمنح لهدف الاستخلاف فإن الدعاء يحيلنا لما يثري تجاربنا ويزكي النفس ولابد أن تجارب المؤسسين تؤكد حقيقة أنه بقدرما تتصدق بقدرما تربح وبقدرما تحد من معدلات الفقر في المجتمع عبر التوظيف ومن خلال الدعم المباشر بقدرما تتوفر لك عوامل النجاح، وكلما غل الناس أيديهم بقدرما اسرفوا ولكن كل خير هو وسط بين شرين وفق معادلة لا تفريط ولا إفراط ومعادلة أن الشجاعة فضيلة بين شرين التهور والجبن. ويصح القول بأن الثروة تصير نقمة متى كان الثراء هدفاً في ذاته يحرك الناس لاصطياده بكل السبل والوسائل عندها يصبح ابتلاء فيكون أكبر همهم وأولوية أولوياتهم وتتحول الثروة من نعمة إلى نقمة تعمق الفوارق الاجتماعية وتنشر الحسد وتعمم البطالة ، لأن المعادلة الاقتصادية حدث فيها عطب لأن ثراء أي فرد في المجتمع يكون خصماً على ثروة آخر خاصة في النهج الرأسمالي الذي يوظف أدوات ربوية ويستخدم وسائل وسياسات تخدم اكتناز المال لصالح فئة بعينها وهذا ما جعل مؤسسات مصرفية كبرى أداة لحيازة الثروات لصالح فئة أصحاب المصارف والأصول الرأسمالية وهذا الخلل يبين الحكمة الالهية من تحريم الربا من حيث أنه يخلق واقعاً اقتصادياً غير صحي يتسم بسحب الثروة من فئات اجتماعية لصالح فئات محددة ويجعل المال نقمة تغذي الصراع المجتمعي بصورة تصادم مقاصد الاستخلاف وتهزم معانيه الخيرة من إحلال المحبة مكان التباغض وإحلال التكافل والتعاضد والتراحم مكان الصراع الطبقي. من المؤكد أن لكل منا قصّة تدلل على صحة أن المال يتراوح بين أن يصير نعمة أو نقمة، وأدلل بقصة ثروة عائلة جمعتها عبر الأجيال ثم أورثتها لجيل انغمس في الاسراف وفي إنفاقها فيما بددها وكان العقاب أن تعثرت وتحول الثراء من نعمة إلى نقمة فمن يخالف مفهوم الاستخلاف في المال لن يجتاز الامتحان ،لا عجب أن نزع الله عنه المال بنقله لجيوب أخرى قد تحسن التصرف فيه أو قد لا تحسنه فتنطبق الحكمة الإلهية وتجري في مسارها. وتحضرني قصص أخرى افترض فيها البعض أن المال ملك لهم يتصرفون فيه كما يشاؤون لا عجب أن اغفلوا استثماره في الحلال أو التزام موجهات سلفهم لتجيء النتيجة خيبة تامة قد تطرح أسئلة بقاء العمل العائلي لأن الخلل ينشأ من سوء استيعاب لمعاني الخلافة في الثروة ورسالة أن نعي أننا مستخلفون. ما أود بثه هنا أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم قال (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وعلى أمة اقرأ أن تقرأ في أخلاقيات تجاربها الاقتصادية لتمنع ثرواتها من أن تكون نقمة فاستعاذة النبي من (الكفر والفقر) تستلزم فهماً عميقاً لمخاطر الفقر وآثاره السالبة على مكارم الأخلاق ولهذا متى أحسنا استيعاب تلك المعاني ربطنا بين نمو أموالنا والحد من فقر مجتمعنا ليسير اقتصادنا الوطني في طريق النماء، والعكس بالعكس متى فارقنا الهدي النبوي لن تسعفنا نظريات رأسمالية أو آليات حرية الأسواق، فاللهم أعنا على فهم (لا مانع لما أعطيت ولا معطيَ لما منعت).

أخبار ذات صلة

«اسحب على الجامعة يا عم»!!
حكاية مسجد في حارتنا..!!
شر البلية ما يُضحك
أطفالنا والشاشات
;
الرد على مزاعم إسلام بحيري في برنامجه إسلام حر
السعودية ومرحلة الشراكة لا التبعية
جلسات علمية عن الخلايا الجذعية
الشقة من حق الزوجة
;
المزارات في المدينة المنوَّرة
خطورة المتعاطف المظلم!
خطورة المتعاطف المظلم!
لماذا يحتاج العالم.. دبلوماسية عامة جديدة؟!
أدب الرحلات.. والمؤلفات
;
كيف نقضي على أساليب خداع الجماهير؟!
المتقاعدون والبنوك!!
د. عبدالوهاب عزام.. إسهامات لا تُنسى
فلسفة الحياة.. توازن الثنائيات