الهجاء الساخر والحقيقة المفقودة ..!
تاريخ النشر: 15 يناير 2015 02:28 KSA
كتب جون المناج JOHN ALMANAG في صحيفة قلوبل ميل اليومية التي تصدر في مدينة مونتريا بكندا في عدد يوم 9/1/2015م، المعروفة بميولها اليميني المتطرف مقالًا بعنوان: (SATIRE IS OFTEN NASTY, HARMFUL AND GROTESQUELY OBUSIVE) يتحدث عن الأسباب التي أدت إلى حادث باريس، والدوافع والتداعيات المترتبة على ذلك.. والمقال يُدوِّن موقفا تحليليا تاريخيا لرسوم الهجاء الساخرة، وما يمكن أن تؤدي إليه عندما تفتقد التوازن بين النقد البناء الساخر المراد به الإصلاح والهجاء السلبي المقصود به الإساءة، والذي يتعدَّى حدود المعقول، ويفقد بوصلة التوازن الأخلاقي والأدبي، ويجرح الكرامة الإنسانية، ويستفز ردود أفعال تُحدث أضرارًا جسيمة بين المجتمعات وأتباع الديانات.
ويتساءل الكاتب: ما هو المقصود من رسم ساخر للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بتلك الصورة المسيئة للذوق والأخلاق سوى الإساءة والاستفزاز بحثًا عن الإثارة والشهرة؟! وعندما تتجاهل المجتمعات المتحضّرة تلك الممارسات المؤذية فلابد أنها تتوقع النتائج وتدافع عما ينشر في صحفها وأدبياتها وعليها تحمُّل المسؤولية.
مشهد الإدانة والمظاهرات المليونية في شوارع باريس وغيرها من المدن الفرنسية والعواصم العالمية تشجب الإرهاب، وتنادي بحرية الكلمة والصحافة، ولكن لا أحد- في بحر ذلك الهيجان السياسي- يبحث عن الحقيقة أو يتجرّأ لذكر الدوافع وراء ذلك المنشور الساخر المسيء للأخلاق والقيم الإنسانية.
إن من يترحَّم على من تسبَّب في تلك الأحداث في الواقع يترحَّم من حيث لا يدري على غياب الحقيقة وفقدان التوازن في الطرح، ويفقد البوصلة للطريق المتوازن لرسالة النقد، لأن المتلقي أيضًا له حقوق ينبغي احترامها والمحافظة عليها.. والإساءة للرسول محمد – صلى الله عليه وسلم- موجّهة لربع سكان العالم، وليست بالضرورة موجّهة لمن اختار أن يُعبِّر عن غضبه بالقتل والإرهاب.
مرتكبو الجريمة يحملون الجنسية الفرنسية، ومن مواليد فرنسا.. والجندي الذي قُتل أيضًا فرنسي الجنسية ومسلم الديانة وافته المنية دفاعًا عن فرنسا.. نتانياهو استغل لحظة الحزن الفرنسي والعالمي وركب الموجة واتجه إلى باريس ليُخاطب يهود فرنسا بأن إسرائيل وطنهم الأصلي.
أليس في ذلك تحريض علني في يوم حزن فرنسا على إحداث شرخ في صفوف الوحدة الوطنية التي نادى بها رئيس فرنسا هولاند؟!
ألا يعني ذلك الموقف من قِبَل نتانياهو - وحتى وجوده في المناسبة- تحدِّيا علنيا لفرنسا وقادتها وشعبها؟!
ألم يقتل نتانياهو أكثر من ألفين من الأطفال والنساء والشيوخ في حرب غزة الأخيرة، ويجرح أكثر من عشرة آلاف شخص بآلته الحربية على مسمع ومرأى من العالم وبقوة السلاح الأمريكي والأوربي؟!
أليس هو نتانياهو إرهابي العصر بامتياز؟ وهل يحق له بعد كل ما فعله بالفلسطينيين أن يمشي في مسيرة الحزن والسلام بين قادة العالم في باريس؟!
الإسلام ليس له وطن واحد، فهو دين لكل البشر، وإذا ارتكب شخص مسلم أيًا كان وطنه مخالفة؛ فيجب عدم ترحيلها لوطن آخر لتحقيق أغراض سياسية مثلما يفعل العنصري نتانياهو ومؤيدوه في أمريكا وأوربا.
المملكة العربية السعودية أكثر شفافية في الإعلان عن مرتكبي جرائم الإرهاب عندما تعلن أنهم سعوديون، كما حصل في الاعتداء الإرهابي على مخفر القريات قبل أسبوع، وتعاقبهم على قدم المساواة مع غيرهم من مرتكبي الجرائم اتباعا لمبدأ (ولا تزر وازرة وزر أخرى).
الإدانة والاستنكار والمواساة في مثل حادثة باريس وغيرها مشروعة حسب التقاليد والأعراف، ولكن إذا كان نتانياهو يستغل المناسبة لخلق شرخ في المجتمع الفرنسي وإحياء النزعة النازية في أوربا، فيجب أن لا يكون لتحقيق أجندة صهيونية عنصرية على حساب المسلمين في أوربا وغيرها من بلدان العالم.
رئيس وزراء فرنسا السابق دومينيك دو فيلبان كان له موقف مشرِّف عندما خاطب المجتمع الفرنسي بإلقاء اللوم على عدم التصدي لتلك التوجهات، وإفلات عنان حرية الصحافة المسيئة للأخلاق والقيم، ورموز دينية مقدسة عند المسلمين وغيرهم.. (دو فيلبان اعتبر تنظيم داعش الطفل الوحشي لتقلُّب وغطرسة السياسة الغربية).. وهذا الموقف لرجل دولة مؤيد لموقف رئيس فرنسا الحالي، الذي قال بصريح العبارة بأن قوة فرنسا في وحدتها، وليس فيما نادى به العنصري نتانياهو الانتهازي، بدعوة اليهود للهجرة إلى فلسطين لكي يُحقِّق أهدافه العنصرية بطرد الفلسطينيين من أرضهم، ويحي نزعة النازية المتطرفة في القارة الأوربية.
وإذا كان من حق فرنسا والمتباكين على حرية الصحافة الدفاع عن الهجاء المسيء للدين الإسلامي وأتباعه.. فإن من حق المسلمين الدفاع عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم والإسلام والمسلمين مع إدانة الإرهاب والتطرف أيًا كان.