عملات وسندات
تاريخ النشر: 19 يناير 2015 01:00 KSA
من المتعارف عليه أن إصدار العملات الوطنية جزء لا يتجزأ من ممارسات سيادة الدول، فللعملات رمزية الأعلام الوطنية والهوية المحلية ،والعملة ترفع من أسهم الدولة التي أصدرتها أو تخفضه وتحكم ذلك القوة الشرائية أو ضعفها وأهم ما يجسد قوة العملة الوطنية إمكانية تحويلها لعملات حرة مقابلة،. والضعف يعتري العملات بسبب السعة الاقتصادية والمخاوف من تقلبات أسعار العملة الوطنية ولهذا تلجأ الدول لخيار ربط عملاتها بعملات أخرى وهناك دول تنكفىء على نفسها وتفضل عملة محلية ولكن الراجح أن أفضل العملات تلك التي تترك حرة ويحدد سعرها السوق والأداء الاقتصادي للدولة التي أصدرتها ،فقوة العملة من قوة الاقتصاد ويصح القول بأن هناك دولاً تفعل سياسات معينة للحد من الآثار السلبية على عملاتها بما فيها سياسات تحد من ارتفاعها لسبب اقتصادي أو آخر ،فارتفاع سعر العملة الوطنية مثل الانخفاض قد يعقّد من الوضع التنافسي للسلع المنتجة في ذلك الاقتصاد ويجعلها ليست في متناول المستهلك المحلي والعالمي. الدول التي تتمتع بالوضعية السيادية، لا تحتاج لضرائب أو لدين عام من الجهاز المصرفي لتمويل إنفاقها المحلي لأنها ببساطة تحتكر حق إصدار عملاتها الوطنية وبها تمول إنفاقها العام.
ولكن هذا قد يطرح سؤالاً مشروعاً وهو لماذا إذن تصدِّر الدول صكوكاً أو سندات عامة رغم وجود عملات وطنية ؟ تساؤل طالما ورد في أذهان كثيرين خاصة حين يربطون بين الصكوك والاستدانة من الجهاز المصرفي .. والإجابة المباشرة بأن بيع الصكوك الحكومية أو السندات لا يستهدف تمويل الإنفاق المحلي لدورها الوظيفي فقد تصدر الصكوك الحكومية لمعالجة خلل في الاقتصاد المحلي أو توقعه، لأن الصكوك تستهدف ضبط اختلالات من الانفاق العام أو من تسليف زائد أو قروض مصرفية أو خلافها أو لضبط السيولة النقدية حتى لا تُحدث تضخماً سلبياً فالصكوك إذن أشبه بالضرائب هي تلبي سياسات ضريبية إن ظل الهدف النهائي لها خلق طلب على العملة المحلية لأنها تسحب الزوائد في الاحتياطات التي تكونت بسبب آلية الصرف بالعجز أو الزيادة في الاحتياطات الكلية في الجهاز المصرفي ،وهي اختلالات إن لم تعالج ستحدث خللاً هائلاً في الاقتصاد المحلي وخاصة في حال عجز الموازنة أو أن الطلب على العملة الوطنية لا يعمل كما ينبغي ولهذا إصدار الصكوك من وقت لآخر يحدث ذلك التوازن الضروري في سعر الفائدة على الاقتراض وعلى الصرف الحكومي ويمنع التباين الحاد أو الضار بين الانفاق والإيرادات مثلما يمنع حدوث ضغط على الاستدانة. ولكن ينبغي عدم الخلط بأن السندات الحكومية مصدر للدخل على الصرف العام للدول لأن من يصدر عملته لا يحتاج لهذه الآلية ,فقط تحتاجها لدعم سعر الفائدة والاحتفاظ بوضع موجب بين المقاصات البنكية.
إن التشويش في استيعاب هذا البعد ينتج سوء فهم لمفهوم الدين العام رغم أن وصفه بهذا الاسم ليس دقيقاً لأن الدين العام هو في المحصلة اقتراض العملة الوطنية بهدف الحفاظ على سعر فائدة مقبول وله علاقة بربط العملة بعملات أخرى أو بعملة وحيدة ومرونة العملة الوطنية تسهل حركتها وحيثما تكون مربوطة تصعب ،ولهذا السندات والصكوك وربط العملات تجسد سياسات وإجراءات متداخلة ،مع ذلك يصح الاستنتاج بأن ربط العملة تحدده مفاضلات مختلفة بين ميزات الربط من عدمه.